الإثنين 16 فبراير 2015 / 16:24

داعش والرهان الفاشل على تفتيت نسيج المنطقة



حين قام داعش بحرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة، برّر ذلك بأنه "يردّ على النار بالنار"، وهو منطق غير صحيح على الإطلاق، لكنه قد يلقى هوى عند بعض الفئات، ولاسيما تيارات الإسلام السياسي، التي تبحث عن أيّ مبرر تسبغه على الجريمة، ويساعدها للتخفيف من وقعها. أما فيما يتعلق بمذبحة الأقباط المصريين في ليبيا، التي نشر التنظيم أمس فيديو لا يحتاج إلى قراءة أو تأويل لنشعر وندرك مدى فظاعته، فإن التنظيم لم يحتج إلى "الشرح والتبرير"، إذ يكفي أن يكون الضحايا – وهم مجرد عمال ذهبوا يبحثون عن رزقهم في ليبيا – من المسيحيين، حتى يجد التنظيم مبرراً (الغرب المسيحي) لذبحهم والتمثيل بهم، معتمداً في ذلك أيضاً على الفئات نفسها لكي تتولى، نيابة عنه فعل "التبرير"، وهو ما لاحظناه بصورة فجة من قبل تنظيم الإخوان المسلمين، الذي بدا شامتاً بهذه الجريمة، محاولاً توظيفها ضدّ حكم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.

هذا المبرّر (مجرد أن يكون الشخص مسيحياً حتى يكون عدواً) ينقل الصراع إلى مرحلة جديدة، ويحاول تكريس معادلة "صراع الحضارات" التي يبدو أن داعش (وكل من يؤيدونه) اقتبسها وتبنّاها من أصوات يمينية غربية، لكي يبرّر حرب الإبادة التي أطلقها في المنطقة، محاولاً بذلك تدمير النسيج الاجتماعي والحضاري والثقافي والتاريخي للمنطقة العربية بأسرها، والتي لم يكن المسيحيون يوماً ضيوفاً أو طارئين عليها، بل هم جزء تكويني وعضوي من هذا النسيج المتشكل عبر آلاف السنين، ولاسيما في مصر التي لم ينجح الخطاب الطائفي الذي روجه الإخوان وحاولوا عبثاً ترسيخه، في إحداث شرخ بين مكونات المجتمع المصري التاريخي.

اليوم، المنطقة العربية بأسرها، خاصة الصوت الإسلامي العقلاني والوسطي فيها، يحتاج إلى أن يرفع صوته أكثر في رفض محاولة داعش هذه، وعدم إفساح المجال للدواعش الصغار المختبئين داخل بعض النفوس الخبيثة من أن تتمدد أكثر فأكثر، حتى تتحول الحرب بالفعل، على ما يطمح داعش، ومن يقف خلفه، إلى حرب دينية لا تبقي ولا تذر.

الرد المصري على مذبحة الأقباط جاء سريعاً، وكان لافتاً صوت المؤسسات والشخصيات الدينية الإسلامية والمسيحية التي لم تتردد في إعلان موقفها، مفوتة بذلك الفرصة على داعش لإحداث فتنة بين المصريين، حيث توحّد المصريون بكل أطيافهم في رفض المذبحة و"مسوغاتها" الحمقاء تلك، إلا فئة قليلة استغلت الجريمة للثأر السياسي، متناسية دماء المصريين الأبرياء التي سفكت على شواطئ ليبيا.

رسالة داعش مؤلمة إلى حدّ الغصة والمرارة، والرد عليها يجب ألا يكون بطيئاً أو ملتبساً، إذ يجب أن يدرك الجميع وقبل فوات الأوان، أن عدو داعش الحقيقي، ليس المسيحيين ولا الغرب ولا الأكراد ولا الشيعة (بحسب ما يحاولون الترويج له)، بل إن كلّ شخص، كبيراً كان أم صغيراً، ولأي دين أو فكر انتمى، لا يبايع هذا التنظيم الإرهابي، هو بالتعريف عدوّ لداعش، أي عملياً السواد الأعظم من العالمين العربي والإسلامي، والسكين التي ذبحت 21 قبطياً اليوم، يمكن أن تذبح الآلاف – دون تمييز لطائفة أو دين – غداً.