بعد دوره في عبور خط برليف يستعد قائد الجيش اليبي الجديد لعبور داعش والإخوان(أرشيف)
بعد دوره في عبور خط برليف يستعد قائد الجيش اليبي الجديد لعبور داعش والإخوان(أرشيف)
الخميس 26 فبراير 2015 / 00:57

خليفة حفتر.. رجل العبور الثاني

24-إعداد ـ سليم ضيف الله

لم يكن تعيين اللواء المتقاعد خليفة حفتر الذي أعاده البرلمان اللّيبي الشرعي إلى الخدمة، على رأس الجيش الليبي مع صلاحيات واسعة، مفاجئاً للمتابع للأحداث الجارية في ليبيا، منذ سقوط القذافي في 2011، حتى تدحرجها في مستنقع الإسلام السياسي، بعد القوس الذي فتحته طرابلس في وجه الإخوان للانفراد بالسلطة لفترة قصيرة، بعد الالتفاف على نتائج صندوق الانتخابات، ثم تسلل أفعى داعش إليها وقبلها فجر ليبيا، وما لف لفهما من تنويعات التطرف والإرهاب.

وباستثناء العقيد عبد الفتاح يونس، الذي اغتيل في أوج الانتفاضة ضد القذافي، لا توجد في ليبيا شخصية عسكرية الخلفية على الأقل، في حجم أو "كاريزما" الجنرال العائد من المنفى، التي  يُمكنها التقدم لليبيين وللعالم، بسيرة ذاتية أو شهادة كفاءة وخبرة، التي تؤهلها لقيادة العملاق الليبي بمساحته ونفطه وموقعه الاستراتيجي الخطير.

في البدء بيان
والواقع أن المعارضين لتولي حفتر، في الداخل والخارج، أول من يعرف قُدرة الرجل، الذي خرج وحيداً أو يكاد معلناً، ما أسماه البعض وقتها "الانقلاب التلفزيوني"، نيته الصادقة في تخليص ليبيا من الإخوان والمتطرفين والميليشيات.

لم يكن حفتر يتلو بياناً انقلابياً تلفزيونياً مبشراً بثورة جديدة، مثل "ثورة الفاتح من سبتمبر" التي نفذها القذافي، ولكنه كان مبشراً بمشروع، قديم متجدد، عمل لأجله مدة عقود طويلة، منذ مشاركته في العبور المصري العربي الشهير، في 1973، على رأس القوات الليبية المشاركة في حرب أكتوبر(تشرين الأول)، استعادة الكرامة الوطنية أولاً والعربية ثانياً.

واتهام حفتر بالانقلاب، كان ولا يزال محاولة من أعداء ليبيا في الداخل، لمنع الرجل من ترميم البناء الذي تصدع بشكل خطير، بعد سقوط القذافي، وارتدادات زلزال ما تعيشه المنطقة العربية بأسرها منذ 2011.

وفاءً للدولة
وبالنظر إلى مسيرته الطويلة في خدمة الدولة الوطنية والوفاء لها بعيداً عن المنطق الحزبي الضيق، يُدرك المتابع أن الرجل لم يكن انقلابياً حتى في أحلك الظروف التي عرفتها ليبيا، مع وصول القذافي إلى منتهى البارانويا والهذيان بداية من الثمانينات من القرن الماضي، أو عصر الرعب الأسود، بتصفية المعارضين في الشوارع والساحات العامة في ليبيا وخارجها، وإقامة المشانق في كل منعطف وميدان، بحضور المهللين للزعيم والمُطبلين وما أكثرهم، بمن فيهم من تحول اليوم إلى زعيمٍ معارض باسم الإخوان أحياناً، والقاعدة أحياناً أخرى، وداعش بين الحين والحين.

وإذا كان حفتر، الذي امتثل للأمر العسكري بخوض حرب أوزو الشهيرة ضد تشاد التي ربحها عسكرياً وخسرها استخباراتياً، حتى كاد يحتل العاصمة انجامينا نفسها، وعدم الاكتفاء بضم شريط أوزو الحدودي، المتنازع عليه بين بلاده والتشاد يومها، انقلابياً، لانقلب وقتها ، مدعوماً بالمبرر الشرعي والسياسي، بعد أن طعنه القذافي وتخلي عنه في الجحيم التشادي في إطار صفقة فرضها الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا ميتران على حاكم طرابلس، جعلت القذافي يُنكر حتى وجود عسكريين ليبيين في التشاد ويتهمهم بالمرتزقة.

مبررات انقلاب لم يقع
كان لدى حفتر حتماً الحافز والقدرة، وهو القائد الوحيد العسكري في ليبيا إلى جانب الراحل يونس، الذي أثبت قدراته العسكرية والتكتيكية على الأرض في التشاد، وفي قناة السويس، على الانقلاب على القذافي، الذي اكتفى طيلة حياتة بمتابعة الحروب عبر شاشة التلفزيون أو عبر أجهزة مخابراته، ولكنه لم يفعل.

وبعد طعنة حاكم طرابلس لتفادي مواجهة عسكرية مباشرة مع فرنسا، التي أمدت رئيس البلاد حالياً ادريس دبي، بالسلاح المتطور، وقصفت حفتر بالاكزوست المذهل، في حين فتحت واشنطن كل ما لديها من خزائن المعلومات الاستخباراتية لهزيمة حفتر، وكتائبه التي كادت تلتهم التشاد في ظرف قصي، لم يكن بوسع الجنرال الليبي بعد تراجيديا التشاد، إلا الاكتفاء بالمنفى بعد السجن والتشرد، ومعارضة النظام الذي عمل تحت لوائه سياسياً لا انقلابياً، حتى بعد أن كلفه ذلك التنقل بين المنافي حتى الانزواء في شبه عزلة في مزرعة أمريكية مهجورة.

كان في يد حفتر تنفيذ الانقلاب الذي كان قادراً على تقرير الساعة الصفر لتنفيذه متى أراد، مستنداً إلى الشعبية الجارفة التي كان يتمع بها في البلاد، وفي المناطق الشرقية منها بشكل خاص، وهي التي عانت الأمرين من حقد القذافي وحنقه الشديد عليها، ولكنه لم يفعل.

لم ينقلب بعد أوزو، ولم ينقض على السلطة فور اندلاع الأحداث في الشرق الليبي، بعد ترنح القذافي في فبراير(شباط) 2011، وذلك رغم الدعوات من الداخل والخارج، ومن حلفاء غربيين ومشرقيين سابقين للقذافي، ولكنه لم يفعل، وفضل العودة للمشاركة في بناء ليبيا الجديدة.
لكن السقوط الثمرة الموعودة والتي لم تنضج بعد، بسرعة في يد الأحزاب والتنظيمات الدائرة في فلك الإخوان وفي مدار القاعدة أولاً ثم انقلاب هذه الأخيرة على نتائج الصندوق الانتخابي الذي طالما نادت بعلويته بعد إقصاء الليبيين الإخوان والقاعديين والداعشيين من البرلمان، دفع الرجل لينقلب، لكن على الفوضى المستشرية في ليبيا والإرهاب المتفشي والرغبة في نسف المشروع الوطني في ليبيا.

عبور داعش
خرج حفتر وحيداً في التلفزيون، متعهداً بقطع دابر الإخوان والإرهاب وداعش في ليبيا، ليعود إلى المشهد الّليبي بعد ذلك على رأس الجيش الوطني الذي أثبت في أكثر من مناسبة أنه الأقدر على التصدي للميليشيات المختلفة التي تدنس الأرض الليبية، وخاصة الأفضل في هذا الظرف للتعاطي ميدانياً مع المسخ الذي استوطن شرق البلاد، موطن حفتر نفسه، الذي يعد ليبيا بعد العبور العربي الكبير لخط برليف، أن يعبر بها جحيم الإرهاب الإخواني والداعشي، الوجهان القديم والجديد للعملة الرائجة نفسها.