الخميس 26 فبراير 2015 / 17:50

ألا تستحم يا رجل؟



لا بد أنك شاهدت هذا المشهد في فيلم سخيف من قبل، تنفتح فجوة في الزمن فيعبر أشخاص من زمن آخر إلى زمننا هذا، ويقومون بقتل الناس في الشارع وذبحهم وترويعهم. يتعامل القادمون وفق قواعد زمنهم، يأكلون ويشربون ويقتلون بطرقهم التي اعتادوا عليها. ينظرون إلى الزمن الجديد ـ الذي عبروا إليه ـ باعتباره بدعة، أو كابوساً لا بد أن يقضوا عليه.

حسناً، يمكننا أن نقول أننا إزاء فيلم كهذا، انفتحت كوّة في الزمن، فعبر أشخاص منقرضون إلينا، أشخاص ليسوا من عصرنا ولا من أزمنتنا، ربما ينتمون إلى العصر الحجري، أو العصر الجاهلي، أو عصر الإنسان الوحشي الذي لا يتورّع عن القتل لأي سبب. بل يبدو فخوراً بذلك. لديه أسبابه ومبرراته، وهو ينظر إلى العصر "الغريب" الذي عبر إليه، ويريد ـ بقوته الغاشمة ـ أن يسيطر عليه، ويجعله على مقاسه وذوقه وحجمه.

الدواعش لا ينتمون إلى عصرنا بأي شكل من الأشكال. بل هم يفخرون بأنهم ينتمون إلى زمن آخر، تستطيع أن تجد هذا في صورة انتشرت للداعشي المصري إسلام يكن وهو يمتطي صهوة جواد ويحمل في يده سيفاً متخيلاً نفسه ـ بالتأكيد ـ علاء ولي الدين في فيلم "الناظر صلاح الدين" وليس أحداً آخر، أو في تغريدات مجرمي التنظيم وهم يتحدثون عن السبابا والرقيق والغلمان والغنائم، أو حتى تسمية معاركهم بالغزوات، أو تحطيمهم الآثار التاريخية وكأنهم يحطمون الأصنام حول الكعبة، أوأسماءهم وألقابهم أو تقسيمهم الإداري من ولايات وبيوت للمال وأمراء وصك صورة الخليفة على العملات، التي جلبوها كلها من التاريخ، وكأنهم يريدون أن يعيشوا عصراً آخر غير عصرنا، كأنهم يريدون بناء شكل زمن ما في زمن مغاير، وهذه الصورة المتخيلة لا يمكن أن تراها إلا في كتب التراث، لذا تجد الدواعش يستشهدون للتدليل على جواز عمليات النحر والحرق بشواهد من كتب لم يسمع عنها أحد، لأن الإنسانية والحضارة تعدتها ودمّرتها، لكنها بالتأكيد أكثر الكتب قرباً إلى تطرفهم وزمانهم الذي جاءوا منه.

في مشهد من الفيلم القديم "فجر الإسلام"، يسأل الفنان محمود مرسي أحد الكفار (الفنان محمود فرج): "ما هذه الرائحة يا حنظلة؟ ألا تستحم يا رجل؟"، فيجيب الكافر باعتزاز "إنها رائحتي، وأنا فخور بها"، ويشبه هذا الكافر بالضبط داعش، الذي يبدو فخوراً بعلميات القتل والذبح والحرق والسلخ والرقاب التي تطير، بل ولا يشعر بأي انزعاج تجاهها "إنها جرائمي وأنا فخور بها.

ومن الدروس المستفادة من كل معارك التاريخ ـ ومن الأفلام أيضاً ـ أنه لا يمكن لشيء أن يجر الحضارة إلى الوراء، لا يمكن لقطيع أن يسحب الإنسانية بأكلمها إلى الهاوية، فبنظرة سريعة على كتب التاريخ، يمكننا أن نعرف أن كل من حاول ذلك فشل، وأكملت الحضارة مسيرتها إلى الأمام، لأن تلك هي طبيعة الحياة وصيرورتها كما أراد الله لها، حتى في الأفلام السخيفة التي تحدثت عنها في بداية المقال، ينتهي الفيلم بإغلاق كوة الزمن وإعادة الهاربين إلى عصورهم أو التخلص منهم، لأنهم لا يستطيعون العيش مع عصر تجاوزهم. ويمكنكم أن تنتظروا حتى نهاية الفيلم لتتأكدوا من ذلك.