الجمعة 27 فبراير 2015 / 21:41

بورتريه جانبي لـ "نتانياهو"



المحادثة القصيرة التي تسربت للصحافيين بين الرئيس الأمريكي باراك أوباما، والرئيس الفرنسي السابق ساركوزي، حول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في قمة مجموعة العشرين، والتي وصلت كاملة من خلال سماعات الرأس الموزعة عليهم للترجمة، والتي يمكن الاقتباس منها:

قال ساركوزي: "لا يمكنني تحمل نتانياهو (...) إنه كذاب"، وذلك بعد أن عاتب أوباما نظيره الفرنسي لمساندة الطلب الفلسطيني للحصول على العضوية الكاملة في اليونسكو، ورد أوباما إنه مضطر للتعامل معه، نتانياهو، حتى وإن كان ساركوزي قد سئم منه.

نفاذ الصبر المشوب بالسخرية الذي اكتنف تلك الجمل يذهب أبعد بكثير من مجرد حديث عابر بين زعيمين عالميين خارج التغطية.

ولا يبدو أن اتهام زعيم الدولة المدللة الخارجة تماماً عن القانون مجرد استغابة للرجل، بقدر ما هي رسالة مدروسة تذهب في اكثر من اتجاه.

قبل ذلك بسنوات ظهرت في الصحافة الإسرائيلية وخلال لقاء صحافي، شهادة مبكرة من أحد أهم معلمي نتانياهو وصانعيه، إسحق شامير، أو "السيد لا" كما كان يطلق عليه، قال صانع "بيبي":
"إنه يفتقر الى المبادئ"، هذا لا يعني، على الإطلاق، تمتع شامير بها، المبادئ.

كان ذلك عندما قاد شامير كتلة من أعضاء الكنيست لمحاصرة مناورات "بيبي"، كانت حركة شامير تلك تعكس ندماً شديداً واعترافاً بخطأ لم يعد ممكناً إصلاحه أو وقف تفشيه والحد من ضرره، "فايروس" ساهم "شامير" بفعالية في تغذيته وإطلاقه في الحياة السياسية في إسرائيل منذ مفاوضات مدريد.

الأمير الذي استطاع التهام بقية أمراء "الليكود"، (ميرودور، بيني بيغن، أولمرت...)، ميردور المهذب آثر الصمت السياسي، بيغن العقائدي المتوتر انسحب من الحياة السياسية، وأولمرت الانتهازي الذي ورث شارون بسبب انهيار الأخير الصحي يقضي عقوبة في السجن بسبب الفساد.

من بين الأمراء لم يبق على قيد الحياة السياسية سوى "بيبي" الذي يريد أن يكون ملكاً. هذا يذكرني الى حد بعيد بقصص الكاتب الإسرائيلي "إدجار كيريت" الساخرة المعنونة بـ "سائق الحافلة الذي أراد ان يكون إلهاً".

في مظاهرة باريس الشهيرة، المسيرة ضد الإرهاب، كان واضحاً أن لا أحد في فرنسا يرغب بدعوة نتانياهو على العشاء، بالنسبة للفرنسيين كانت مشاركته في المسيرة ستأكل من مصداقيتها وستشكل الثغرة التي تعبر منها السخرية، إذ سيكون من الصعب أن يسير في نفس الشوارع التي كان عشرات آلاف الفرنسيين يذرعونها قبل أقل من سنة وهم يحملون صور غزة التي دمرها جنوده، الرجل الذي نعته الفرنسيون بالقاتل لن يكون وجوده مفيداً في مسيرة تحتج على القتل.

ولكنه ذهب وزاحم بالكوعين لينتقل من الصف الثاني إلى الأول، وكان الوحيد الذي لوح للكاميرات، حتى وقفته المذلة بعد مغادرة الحافلة المخصصة للرؤساء الى الفندق لم تترك أثرها على خطابه في الكنيس اليهودي حين قال لليهود الفرنسيين، "إسرائيل هي وطنكم" وواصل خطابه بينما كان رئيس الوزراء الفرنسي يخرج من القاعة.

والآن سيذهب إلى واشنطن بعد أن تم تدبير خطاب له في الكونغرس من وراء ظهر إدارة البيت الأبيض، نفس أسلوب التدافع بالأكواع.

يعرف الرجل جيداً أن فشله في تشكيل الوزارة بعد الانتخابات المبكرة في 17 مارس (آذار) القادم، سيرسله خارج القاعة، وسيكون عليه أن يراقب خصومه من وراء الزجاج لفترة طويلة. فترة كافية لوصول وجوه كثيرة جديدة قادرة على تأثيث كوابيسه ورعايتها، وسيكون من الصعب عليه نسج مؤمرات ودسائس ومناورات ذات جدوى من هناك، من الرصيف بعيداً عن لوحة المفاتيح .

لذلك سيذهب إلى الكونغرس، تاركاً خلفه الإعلام في إسرائيل منهمكاً في رعاية زوبعة فضائح صغيرة وطريفة تلاحقه وتلاحق زوجته الثالثة سارة، وسيلقي خطابه من تحت أنف أوباما، خطاب في الكونغرس الأمريكي لناخبيه في إسرائيل.

ولذلك أيضاً تحمل حزمة الإهانات التي كانت بانتظاره، الشعبية والرسمية، في باريس.

وسيذكر يهود أوروبا وأمريكا:

انهم يكرهوننا.

سيفتح خزانة الأشباح على مصراعيها، هذه المرة، من الملف النووي الإيراني الى داعش، وسيعيد ترميم الأشباح التي تلفت بسبب ضغط الاستعمال، أشباح الجنوب مثل حماس وتلك التي تحفر في الشمال مثل حزب الله، والمحكمة الجنائية التي يواصل محمود عباس فهرسة ملفاتها، إضافة إلى "الانتفاضة الثالثة" التي يلوح بها الجميع بما فيهم "أبو مازن"، والآن لديه قائمة عربية موحدة، لأول مرة في تاريخ الدولة، تضم أربعة أحزاب عربية تحلم بـ 15 مقعداً، بحيث تكون القائمة الثالثة في الكنيست.

في بيت المؤرخ الصهيوني المتزمت، كان واضحاً تمامًا أن الابن الأكبر يوناثان هو اختيار العائلة الذي سيحمل طموحاتها، وبينما ذهب بنيامين للدراسة في الولايات المتحدة، كان "يوني" الذي التحق بالخدمة الدائمة في الجيش يصعد كجندي لامع من قوات النخبة في سلم الترقيات، نحو رئاسة الأركان، تماماً كما خطط والده المؤرخ بن تسيون نتانياهو.

في البيت كان كل شيء خاضعاً لتوفير مكان ملائم لعمل الأب، بيت مؤرخ متزمت ينظر إلى العالم من زاويته الضيقة، ويحاول أن يحشر الصراع مع الفلسطينيين في تلك الزاوية عبر مزيج انتقائي من الأفكار، حيث يمكن ردم الثغرات الواسعة فيها بأفكار غيبية قائمة على فكرة عنصرية وحيدة هي أنه لا مجال للسلام مع العرب.

لم يكن هناك مكان واضح لـ "بيبي" في أحلام العائلة، لقد استنفذت تلك الأحلام بين "يوني" الابن وبين الأب، بين رئاسة الأركان وبين كتابة تاريخ الصهيونية ولم يكن هناك ما يكفي للابن الأوسط، كانت العائلة قد قسمت العمل ووزعت مهماتها.

مقتل يونثان في "عنتيبي" على يد الكوماندو الفلسطيني قلب خطط العائلة ومنح الابن الأوسط فرصة الصعود درجة في أن يكون خيار العائلة البديل، التي حملت أحلامها ووصايا الأب المتزمت عن كتفي الابن المقتول يونثان لتضعها من جديد وبتسرع وارتباك على كتفي بنيامين.

في مقابلة أجرتها صحيفة "هاآرتس" معه بعد انتخاب ابنه لرئاسة الوزراء للمرة الأولى قال بن تسيون:

"علينا أن نفهم بأنّ بيننا وبين العرب تعارض ثقافي عميق" وأضاف لتأكيد الفكرة: "الصهيونية منذ تأسيسها هي حركة غربية. إنها حركة عاشت على حدود الشرق ولكن وجهها كان دائماً للغرب. كانت الصهيونية دائماً قاعدة أمامية للغرب في الشرق، وهكذا هي حتى اليوم. لهذا السبب، يعتبرنا العرب كائناً غريباً. حتى لو لم نشعر بذلك، حتى لو كنّا نخدع أنفسنا بأنّ السلام سيسود هنا، فإنّنا نعتبر هدفاً لهجومهم".

هذا هو برنامج الأب وهو برنامج العائلة وبرنامج بيبي وبرنامج الليكود وهو برنامج اسرائيل أيضاً.

"بيبي" يعرف جيداً أن مقعد الابن الأوسط لعائلة مؤرخ متزمت هو كل ما سيبقى له لو استطاع خصومه، في اليسار واليمين على حد سواء، إخراجه من مكتب رئيس الحكومة، وسيفعل أي شيء، أي شيء، ليتفادى ذلك المقعد الذي يذكره بطفولة كان فيها دائماً الخيار الثاني.