السبت 28 فبراير 2015 / 15:40

تعالوا نتصارح بشأن داعش




لا أحد يقلل من خطورة وأذى ظاهرة داعش وما يماثلها في كل زمان ومكان، إلا أن الإعلام المذعور الذي يخدم هذه الظاهرة عن قصد أو عن غير قصد، أعمى بصيرتنا كعرب عن الطريق الصحيح، الذي ينبغي سلوكه في هذا الزمن المكتظ بالتحديات المصيرية .

واذا كان "موديل" داعش هو السائد والملح في حياتنا، إلا أنه وبكل المقاييس لا يكفي بل ولا يصلح لأن يكون الدافع المركزي لسياساتنا وعلاقاتنا وتنسيقنا وتحالفنا، ودون إغفال هذا الأمر بأهميته الحقيقية، إلا أن هنالك ما هو أعمق وأكثر الحاحاً لبلورة جسم عربي قوي وفعال، يكون جديراً بتحقيق المصالح الأساسية للعرب، ووراءهم ظهيرهم الإسلامي، المنتشر في كل أرجاء الكون.

لقد سئمنا القول إننا في زمن لا حياة فيه للكيانات الصغيرة، زمن اضطرت فيه أوروبا الأغنى أن تتحد كي تواصل العيش، أو تنشد جدارة التحالف مع القوة الكونية الأكبر في هذا العصر، وهي الولايات المتحدة.

ولكي لا نبتعد كثيراً عن دائرتنا، فها نحن نشهد استماتة على النفوذ الإقليمي على أبواب بيوتنا، فالظاهرة الإيرانية تغلغلت وأسفرت حتى الآن عن بلد عربي بلا رئيس، وبلد عربي آخر بنصف رئيس، ناهيك عن أهم بلد عربي هو سورية، الذي لا يعرف رئيسها على كم كليومتر مربع يسيطر في بلاده، وأخشى أن أقول "والحبل على الجرار" .

بمراقبتنا لكيفية تعامل الكيانات العربية مع التحديات، فإننا نلاحظ أن الفورة العاطفية هي الأساس، والأحداث الكارثية، هي التي تنبه عن ضرورة التكاتف تحت عبارة بائسة اسمها التضامن العربي، وما أن تهدأ الفورة ونتعود على الكارثة، حتى نعود إلى سابق عهدنا، مجرد قبائل متناحرة بسبب أو بدون سبب.

ولقد تراكم هذا الوضع المأساوي، وكانت أجراس الإنذار تقرع بين وقت وآخر، فسقطت عواصم عربية في قبضة محتلين، وتمزقت بلدان عربية بنوازع عرقية وطائفية وغيرها، وصارت أرضنا وكياناتنا وكل شيء يخصنا، نهباً مشاعاً لمن يقدر، وجاء وقت كنا فيه مستبعدين عن أي دور في أمور تتصل بمصيرنا ، إلا أن جاء ما أسميناه في البداية بالربيع العربي، فإذا به انفجار لتراكمات عقود طويلة، فقلب الأحجار ليخرج من تحتها جيوشاً من الأفاعي والعقارب، حتى ما كان يحدث في بلادنا لم نكن لنتفق على تعريفه فكيف على معالجته، والآن ولا أخال أحداً منا بحاجة الى من يدله على كوارث الواقع وفداحته ، فالناس يعيشون في قلب هذه الكوارث، ويشاهدون فداحتها على جلودهم، ولقد كان الله رحيماً بنا حين نجت كيانات عربية أساسية من هذه الكوارث، بعض الناجين أصيبوا بجروح عميقة تعافت، وبعضهم الآخر وقف على حافة الهاوية ثم نجا، وبعض آخر لم يصبه الأذى إلا أنه كامنٌ وراء الأبواب، وإلى أن يحسم امرالذين وقعوا في الهاوية، فالمسؤولية أضحت مضاعفة على الذين نجوا، ولحسن الحظ أنهم بمجموعهم يمتلكون قدرات هائلة، ويواجهون ذات الخطر، فما الذي يمنع من تأسيس إطار لتنسيق وتكامل استراتيجي راسخ، لا يخضع لتأثير الأحداث العارضة مهما كبرت، ولا ينفرط عقده لمجرد ضغط خارجي او دسائس ممن يعرفون من أين تؤكل الكتف.

داعش وبكل الموضوعية، تظل ظاهرة عابرة في حياتنا، انبثقت من فراغاتنا المروعة ، واستبدت حيث تمكنت لأنها وجدت مرعى خصيباً بذرناه بجهلنا ولا مبالاتنا ونومنا على حرير الراحة الخادعة، ورب ضارة نافعة ، ذلك أن داعش تصلح لأن تنبهنا الى الخلل العميق في وعينا وسلوكنا ورؤانا ، إلا أن الذي يصلح حقا لتوحدنا الى جانب عنايتنا ببيوتنا التي هي مجتمعاتنا، فلا مناص من قوة جذرية دائمة تحمي وجودنا أولاً وتؤهلنا للانتساب الى العصر الذي لا يعترف بغير الكبار الأقوياء ولا يقيم وزناً للمترهلين والمتناحرين والمتنازلين عن دورهم في صنع مصيرهم.