السبت 28 فبراير 2015 / 21:03

داعش: أنا أحرق أنا أذبح أنا أُدمّر.. أنا موجود!



يبدو أنه لا حصاد بشرياً في يد داعش هذه الأيام يمكنّه من الالتفاف حول الرقاب بالخناجر والسكاكين ليفتح بعد ذلك عدسة الكاميرا ويقول للعالم من حوله : انظر "أنا موجود".. أنا أحرق، أنا أذبح، أنا أقتل!

إنها الصورة التي أراد داعش أن يتواجد من خلالها في ذهنية العالم، وأمام ناظره دون انقطاع. لكنه عندما انتهى من تنفيذ جرائمه البشعة بحرق الشهيد معاذ الكساسبة، وقتل الشهداء المصريين في ليبيا وغيرهم من ضحايا التنظيم، قرر أن ينقل المشهد إلى العراق، وبالتحديد نحو مدينة الموصل، ليبث شريط فيديو يظهر عناصر من التنظيم وهي تحطم التماثيل والمنحوتات النفيسة التي يعود بعضها للحقبة الآشورية.

لا البشر ولا الحجر يمكن أن يسلما من هذا العصابة الكونية التي تتكاثر جرائمها وتتعدد في مشهد دموي لا طاقة للإنسان على الاستمرار في مشاهدته ومتابعته. كل شيء له علاقة بالحضارة والإنسانية مستهدف من قبل هؤلاء الدخلاء على مجتمعاتنا العربية والإسلامية. إنهم أبناء الاستعمار الجديد الذي لا يريد أن تظل علامة واحدة تشير إلى نهضتنا وحضارتنا.

أذكر عندما قرر الإرهابيون في سوريا "إعدام" تمثال المعري، كتبت حينها مقالاً تحت عنوان "المعري يموت مرتين". إنها الصورة تُكرر نفسها، إنه تاريخ يحاكَمُ اليوم بمطرقة الجهالة وعقلية الاستعمار وليس سواه، فما ينفذه تنظيم داعش في يومنا هذا لا يمكن أن يندرج تحت منطق "الجهل" فقط. بل إنه فِعل متقصّد ومتعمّد بل ومدروس، ومدفوع من الخلف، تجرّه عربة المؤامرة على عالمنا العربي المغلوب على أمره.

لكن المفارقة الكبرى، لم تعد تتمثل في أفعال داعش، بل في الفرجة التي اختارها العرب، حيث تجلس دول عربية على مقاعد الجمهور وتطيل التأمل في دم شعوبها التي تنزف دماً بل ألماً وعجزاً.

لا أعرف حقا.. لماذا لم يتم إلى الآن تشكيل قوة عربية موحّدة لمواجهة هذه الكارثة؟! قوة تضرب بيد واحدة قوية وفاعلة.. يد تطال عنق التنظيم ولا تكتفي بإطلاق الرصاص في الهواء الذي يحيط به!

هناك علامات استفهام وتعجب كثيرة يمكن أن تقف وراء كل جملة نتحدث فيها عن تنظيم داعش، نريد لها تسقط. نريد أن نفهم لماذا اختار العرب الفرجة على أفلام الفزع والرعب تلك، التي بطلها تنظيم إرهابي استثنائي لا مثيل له في الكون، يبث الرعب في نفوس الجميع هنا وهناك.

كل ما يمكن قوله الآن.. إن كل من يقف مكتوف اليدين، مغمضاً عقله وعينه، ملتفتاً إلى الوراء لا الأمام، هو شريك في الجريمة الكونية الكبرى التي يقوم التنظيم بتنفيذها لا على أرض العراق والشام بل وفي كل ناحية وجهة من العالم.