الأربعاء 18 مارس 2015 / 08:38

الانقلاب الأمريكي



لم يكن غريباً أن تتعانق وتتصافح الولايات المتحدة الأميركية مع "الغريمة" إيران، وأن تمد لها يد العون، بل يد المكافأة على ما تقوم به من تحريض وتخريب في أكثر من عاصمة عربية، بداية من بغداد، مروراً بدمشق وبيروت، وصولاً إلى صنعاء، عاصمةً محتلةً من "الجارة" إيران.

في ظرف غريب وعجيب جداً، تقترب الولايات المتحدة من إيران، ويصبح البرنامج النووي الإيراني، لطيفاً وشفيفاً! لا يشكل تهديداً حقيقياً وكبيراً على العالم كما أكدت ذلك الولايات المتحدة بنفسها على مرّ الشهور والأعوام، وكما أوهمت العالم كله بأنها تحارب وتقاتل من أجل وقف الطموحات النووية في إيران. تماماً كما يفعل اليوم نتانياهو الذي يقود حملة "وهمية" ضد إيران النووية، فيما يستعد معها من خلف ستار لتنفيذ ما أعدوه من مخططات تمت صناعتها في أروقة وساحات المصالح السياسية الواحدة.

في مساحة المصافحة تلك، تذهب إيران نحو اليمن، تحتل العاصمة صنعاء، وتعلن تسيير رحلات إليه، لنقل الأسلحة والصواريخ، كل ذلك "عيني عينك" أمام أعينِ العالم شرقاً وغرباً، جنوباً وشمالاً.. وأمام "رحابة صدر" الولايات المتحدة الأمريكية التي تُعَدّ في واقع الأمر شريكاً فيما حدث، لأن من غير الممكن أبداً أن تُقدِم إيران على خطوة مثل تلك، لولا أنها لم تدرسها بدقة وحرص بالغين، ولم تتحسس قبلها موقف البيت الأبيض من فِعلتها .

يبدو أن المصالح المتبادلة، تتقاطع اليوم على طاولة الحدث العربي، ولا يستطيع أحد أن ينكر ما يتم الاتفاق عليه بين الدول صاحبة الطموحات التوسعية (إيران، إسرائيل، تركيا)، ولعل أكبر مثال على خريطة المصالح تلك، هي الجغرافيا العراقية التي تم تقسيمها "حسب الذوق" الذي تبديه تلك الدول أمام بعضها البعض، وهي تجتمع حول شعار "خذ ما تريد ودعني أنا آخذ ما أريد".

هكذا، انقلبت الولايات المتحدة الأمريكية على سياساتها، ثم على وعودها لدول تدرك المطامع والرغبات الطافحة لإيران بالتوسع في المنطقة. وهكذا، يصبح من الضرورة بمكان أن يتّخذ العرب جميعاً خطوات حقيقية وملموسة يمكنها أن ترد أولاً على الاحتلال الإيراني الجديد لصنعاء. وثانياً على الانقلاب الأمريكي في شكل ومضمون السياسة الخارجية للبيت الأبيض.

إذن، هو شعار "عدم الثقة"، الشعار الأمثل الذي يمكن أن يكون عنواناً للمرحلة المقبلة، فالواقع يؤكد أن لا ثبات في مواقف الدول بعد ما تعرضت له المنطقة من هزات وأحياناً زلازل قضت على مناطق بأكملها، كما قضت على توافقات واتفاقيات لم تكتمل.

قد يستغرب البعض من هذا التحول العجيب في السياسة الأمريكية، لكن المتابع لحركة هذه السياسة في منطقة الشرق الأوسط، يعرف تماماً أنها حركة لا تسير في اتجاه واضح وواحد، فلطالما انقلبت سياسة البيت الأبيض على نفسها قبل أن تنقلب على غيرها من الحلفاء والدول الصديقة.