الخميس 26 مارس 2015 / 20:57

إيران بين الشاهنشاهيّة والإسلامويّة



قبل سقوط نظام الشاه محمّد رضا بهلوي في 1979، كانت العلاقة بينه وبين الدول العربيّة المجاورة لإيران على شيء من التفاوت والاختلاط. ففي المجال النفطيّ مثلاً، ساد خليط من التنافس والتنسيق بينه وبين الدول العربيّة المنتجة للنفط، وفي النهاية كان الطرفان، من داخل منظّمة الأوبك، يحتكمان للسوق وحركتها. وفي الاصطفاف الدوليّ إبّان الحرب الباردة، كان الطرفان منسجمين في موقفيهما المناهضين للاتّحاد السوفييتيّ وكتلته الشرقيّة، وهو ما انعكس إقليميّاً في محطّات عدّة ربّما كان أهمّها الموقف المشترك الذي اتّخذاه ممّا عُرف بـ "ثورة ظفار" في سلطنة عُمان، أواخر الستينات وأوائل السبعينات.

لكنْ لدى الانسحاب البريطانيّ من منطقة الخليج، وخصوصاً مع استقلال البحرين في 1971، لم تكتم طهران رغبتها في ضمّ الدولة العربيّة المستقلّة، إلاّ أنّ الضغوط الغربيّة، الأمريكيّة منها والبريطانيّة، حالت دون ذلك. وكانت النقطة الأسوأ والأشدّ سواداً في سجلّ العلاقة إقدام إيران، في ذاك العام نفسه، على احتلال الجزر الإماراتيّة الثلاث: طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى.

على أيّة حال، اقتصر هذا العمل العدوانيّ على فعل خارجيّ، بمعنى أنّ إيران الشاهنشاهيّة آثرت ألاّ تتدخّل في الشؤون الداخليّة للبلدان العربيّة. أمّا حين تدخّلت، داعمةً الانتفاضة الكرديّة التي قادها الملاّ مصطفى البارزاني في شمال العراق، فإنّها لم تُعط تدخّلها أيّ بُعد إيديولوجيّ بحيث اقتصر على تنافس بين الدولتين المتجاورتين، إيران والعراق، مداره الصراع على النفوذ. وفعلاً فبانتهازيّة كاملة أوقفت طهران فجأة دعمها للأكراد الذين انهارت ثورتهم، مقابل ضمانات سياسيّة وترابيّة قدّمها لها النظام البعثيّ يومذاك في ما عُرف بـ "اتّفاق الجزائر".

وهذا على عمومه لم يكن سجلاًّ ناصعاً على الإطلاق. بيد أنّ ما حصل لاحقاً، في ظلّ الثورة الخمينيّة، كان، ولا يزال، أمرّ وأدهى بلا قياس. فلئن كان صدّام حسين هو البادئ في العدوان، بُعيد قيام الثورة، فإنّ الخميني استغلّ تلك الحرب لأهداف عدّة من بينها تمتين النظام والتخلّص من كلّ معارضة. ولهذا راحت طهران تطيل أمد الحرب وتسدّ كلّ الأبواب أمام الخروج العراقيّ منها. لكنْ في ما يعنينا هنا، استُخدمت تلك الحرب ذريعة لنشر "تصدير الثورة" إلى الجوار كمبدأ راسخ لا يتزحزح.

وفضلاً عن الاحتفاظ بالجزر الثلاث التي احتلّها النظام البائد (وكان يُفترض بالثورة أن تنسحب منها)، تحوّل "تصدير الثورة" عنواناً لأعمال عدوانيّة موسّعة ضدّ الدول العربيّة، لا في حدودها أو أطرافها، بل أساساً في دواخلها وعلاقاتها الأهليّة وطرق صنعها للقرار. وعن طريق أطراف كمثل "حزب الله" اللبنانيّ و"أنصار الله" (الحوثيّين) في اليمن والجماعات الطائفيّة الشيعيّة في العراق، ناهيك عن نظام بشّار الأسد في سوريّا، باتت إيران اليوم تهيمن، كلّيّاً أو جزئيّاً، على أربعة بلدان عربيّة فيما تهدّد بلداناً عربيّة أكثر عدداً.

وما نشهده اليوم خصوصاً في اليمن، من احتراب أهليّ صرف، على قاعدة طائفيّة معلنة، لا يترك أيّ مجال للشكّ في المآلات التي تقودنا إليها سياسات الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران.

فهل يخطئ الذين يقولون إنّ أنظمة الاستبداد غير الإيديولوجيّ، كنظام الشاه، أقلّ سوءاً وخطراً بلا قياس من أنظمة الاستبداد الإيديولوجيّ، كحال النظام الخمينيّ الراهن؟