الجمعة 27 مارس 2015 / 11:08

قرار حرب تونس على الإرهاب




هنا رحلة موجزة في ثلاث نظرات للإرهاب وأهله من خلال ثلاثة رجال تونسيين وكل منهم يحمل نظّارات، وهم بهذا الترتيب: منصف المرزوقي وراشد الغنوشي والباجي قايد السبسي.

1- المرزوقي والاعتذار والحوار مع الجهاديين

في شهر فيفري 2012:
شنَّ الرئيسُ التونسيُّ المؤقت الفاشل منصف المرزوقي (أواخر 2011-2014) حرباً كلامية شرسة على الداعية الإسلامي المصري وجدي غنيم الذي زار تونس اثر دعوة تلقاها من بعض الجماعات السلفية بتونس، ونادى بخِتان الإناث وسخر من العلم والنشيد التونسيين، وقال المرزوقي:

إنّ تونس ترفض أن يتواجد على أرضها شخص مثل "غنيم"، مؤكداً أن تونس بلاد وسطية لا تحتاج لمثل هذا الرجل الذي يشبه الجراثيم التي تنبت بالأرض.
هكذا شبّه الدكتور المرزوقي ضيف السلفيين وهو وصف مستوحى من قاموس الطب. 
وإثر هذا التصريح خرجت عناصر من السلفيين التونسيين في تظاهرة من أمام جامع "الفتح" بوسط تونس العاصمة، للتنديد بتصريحات الرئيس ، ورفع المتظاهرون شعارات منها "لا إله إلا الله والمرزوقي عدوُّ الله".

وأمام ردة فعل كهذه، رأى المرزوقي أن عليه أن يعوّل على هؤلاء، وفكّر في جلبهم الى صفّه، فما كان منه إلا الاعتذار لهم عن كلمة "جراثيم"، واستقبالهم في القصر الرئاسي باعتبارهم تونسيين، وتأسيساً عليه، فلابد من الالتزام بالحوار مع هؤلاء باعتباره رئيساً لكل التونسيين!

المرزوقي يعرف ولا يجهل أن هؤلاء يؤمنون بأنّ الدولة فكرة كافرة، والدستورَ باطل لأنّ الشريعة موجودة وهم يرَوْنَ أنه لا بد من بسط الشريعة على الارض لإعلان الخلافة المؤمنة .

 وكان ما كان، فقد غفر السلفيون للمرزوقي خطأه ورضي عنهم ورضوا عنه، وكان يرى فيهم وقوداً  لحربه بالانتخابات الرئاسية التي انتهت بالفشل.
   
2- الغنوشي والحوار مع الجهاديين

وفي شهر أكتوبر 2012:
ومع راشد الغنوشي زعيم الإخوان المسلمين في تونس، تسرّب مقطع الفيديو الشهير المصوّر بالصوت والصورة لقاءَ الغنوشي مع طيف ممثل من الجماعة السلفية الجهادية في تونس.

هدّأ الغنوشي من روع الجماعة الذين انتظروا من حركة النهضة أن تمسك زمام السلطة بقوة، ولم تفلح، وحدّثهم عن التريث لاستلام السلطة، وبلوغ الهدف الأسمى، وكان تفكيره هذا منسجماً مع فلسفة "التدافع" التي يؤمن بها وينادي منها، ويحكي من منطلقها، فقد ذكر لهم ما يعرف: "الجيش التونسي غير مضمون، والشرطة التونسية غير مضمونة" ، فضلاً عن الإعلام الذي هو في واد آخر وغير مضمون بالمرة، وأكّد على الجماعات السلفية ضرورةَ أن يؤمنوا بالتدرج، وفي انتظار التمكّن من السلطة، لابدّ من التمَسْكُن، وإعداد العدة بهدوء، وطمأنهم أنّهم أحرار وبإمكانهم ان يقوموا بالتدريبات في مخيماتهم .

- مخيمات من أجل من؟ ولماذا؟ وما الهدف؟
-لا هدف غيرالوصول الى السلطة وإرساء الخلافة .

ولكن الغنوشي يرى أن الأمر ليس بالسهولة التي يراها الشباب المتحمس، وكان عليه  أن يحكي من منطلق خبرته السياسية للشبان الجهاديين ويغازلهم بالقول أنه يرى فيهم "صورته الشبابية"، وسوف يؤيده القيادي اليابسُ في حركة النهضة الحبيب اللوز الذي تمنى أن يكون شاباً حتى يسافر من تونس للجهاد في سوريا.

3- حرب الارهاب على تونس

مع ازدياد الحركات السلفية القاتلة المُدَلّلة من قِبَل منصف المرزوقي وراشد الغنوشي، وهي حركات كانت تستهدف ما يسميهم الجهاديون بـ"الطاغوت" من رجال الأمن، ورجال الجيش التونسي الذين أوحى الغنوشي بأنهم حجر عثرة في الطريق لبناء الدولة المحلوم بها من قبل الجماعة الاسلامية، ومن قبل حركة الإخوان المسلمين العالمية المراهنة على الزهرة التونسية في هذا "الربيع العربي" لإعلان حديقة الخلافة الحاكمة بالشريعة.
   
وكان لا بدّ من إرباك الدولة ودعائمها، فكثر شهداء تونس في صفوف الجيش والشرطة، وسقط الكثير في كمائن نصبها السلفيون.

وتبين بالدليل، أن عناصر قيادية أمنية تم تنصيبها في مواقع إدارية أيّام حكم الترويكا ( بقيادة النهضة الاسلامية ) كانت متواطئة، فوجهت إليها تهمة التخاذل الأمني خاصة بعد الحادثة المريعة التي تعرض لها متحف "باردو" الوطني وذهب ضحيتها سواح أجانب ورجل أمن تونسي.
 
وتم هذا الحادث الذي كان من نتائجه الانخفاض في البورصة السياحية وإلغاء رحلات سياحية إلى تونس، وهو ما سرّع في النظر العاجل من قبل مجلس نواب الشعب التونسي لاستصدار قانون مكافحة الارهاب الذي كان موضوعاً مؤجلاً في أعمال المجلس الذي أطال نوابه الحديثَ في الجوانب القانونية حتى يبتعد هذا القانونُ المحارب للإرهاب عن المسّ بالحريات العامة ،وحتى لا يكرر قانون نظام بن علي في مكافحة الارهاب، فقد كان من النواب من ينادي بالتباطؤ، والإكثار من النقاش والتريّث في توجيه التهمة الى الجهاديين، بل ومنع وصفهم بالإرهابيين.

لكن أحداث متحف باردو والجريمة الانسانية والسياحية هي التي عجّلت بالنظر في القانون وحيثياته حتى يطبق ضد الإرهاب وأهل الإرهاب.
في شهر مارس 2015 تمت جريمة "باردو"، وصار المجلس واقفاً أمام قانون مكافحة الإرهاب كما قال المتنبي: "وقفتَ وما في الموتِ شكُّ لواقفٍ". 

4- إعلان تونس الحرب على الارهاب

مع الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي، لم يكن هناك أيُّ التباس في الحديث عن الإرهاب، فهو سياسي عريق وعتيق وعارف بكل  دواليب وزارة الداخلية، وأساليب عملها، بل هو خير من يعرفها لأنه أسهم في بناء خلاياها الاولى وأجهزتها الفاعلة وفلسفة الدفاع الأمني عن المواطن وتراب الوطن.
  
و لم ينتظر الباجي (الذي أعلن انه رئيس التونسيين والتونسيات الذين انتخبوه والذين لم ينتخبوه ) أن يتحاور مع هؤلاء، بل إنه لم يطرح أبداً مبدأ الحوار مع من رفعوا السلاح في وجه المواطن والدولة، وكان ما كان من ترويع المواطنين الذين صاروا موزعين بين رائحة الخبز والحياة ورائحة الرصاص والموت.
وكان موقف الباجي هو: "حرب ضد هؤلاء بلا شفقة ولا رحمة"

5- صدى الحوار و صدى الحرب

سوف يغضب الكثير من المحامين الذين اختارهم السلفيون وأولياؤهم وذووهم وأنصارهم للدفاع عن القاتل الذي يريد أن يمتطي القانون كمركب للنجاة:
 
هل هذا القاتل متهم عن طريق الخطأ؟
هل هذا الذي يمسك بندقية ويرش الرصاص في موضع قاتل من الجسد، هو مريض نفسي يستوجب القضاء والمحاسبة من دولة القانون والمؤسسات؟
أم هذا القاتل هو مريض يستوجب الدخول الى مستشفى الأمراض النفسية ؟
أم هذا القاتل هو جاهل يستدعي من الدولة التثقيفَ في مدارس التاهيل التربوية والثقافية ؟
وسوف يعرف الذين اختاروا الحوار مع الجهاد القاتل كيف أن نتائجه قد زرعت الرعب في النفوس، والصداع في الرؤوس .
قال الباجي قايد السبسي: لا للإرهاب، ولا للحوار مع من يستهدف الدولة ورموزها، وهو يدرك وزن هذه الحرب التي فرضها الإرهاب على تونس، كما يقدّر وِزْرَها، وهو يعرف أن وزنها سيكون خفيفاً بالتحالف الدولي وبالصدى الشعبي لإعلان الحرب الشعبية في تونس على الارهاب.