السبت 28 مارس 2015 / 12:06

عاصفة الحزم: ما قبل وما بعد




العملية العسكرية التي بادرت بها المملكة العربية السعودية من أجل إعادة التوازن لليمن، بما في ذلك إعادة الشرعية المنتهكة... فاجأت الجميع، وأول من فاجأتهم هم الحوثيون وحلفاؤهم.

ولعل سبب المفاجأة الأول ليس ضعفاً في الاستخبارات، أو رصد التحركات وجمع المعلومات، وإنما الاستنتاج المستند إلى تراث من التجارب، يرجح أن العرب المعتدى عليهم يحبون دائماً الوساطات والحوارا ت والتسويات، بديلاً عن الحزم والحسم، وهذا الاستنتاج كان سبباً ايضاً في إقدام كل طرف يرغب في استثمار نفوذ على أرضنا العربية، على التمدد في منطقة فارغة غير محروسة، وهذا ما ينطبق عليه المثل العامي، "المال السائب يعلم السرقة".

وما حدث بشأن اليمن وأهم ما فيه إلى جانب الحزم والحسم هو سرعة الاحتشاد الدولي معه وحوله بين مشارك وداعم ومؤيد، وهذا إلى جانب كل ما سبق يدعو إلى التمعن في الخطوة التالية التي ينبغي أن تتمم لحماية المبادرة أولاً والبناء عليها ثانياً، والخطوة التالية هي حتمية ولادة تحالف استراتيجي أساسه الجيوش والإمكانيات العسكرية العربية، وهذا التحالف المنشود يفترض أن يقيم سداً منيعاً أمام استباحة العالم العربي أرضاً وثروات ومجتمعات، تلك الاستباحة الدائمة التي كان الواقع العربي الذي ينخره السوس، هو من يستدعيها ويفتح الأبواب أمامها وهيئ لأصحابها فرص النجاح الحتمي.

وحين يجري الحديث الآن عن حلف استراتيجي، فذلك بفعل يقين ولدته المعادلة الدولية الراهنة التي ربما تتغلف أحياناً ببعض الأغلفة الأخلاقية والإنسانية ، إلا أنها في حقيقة الأمر لا تقيم وزناً إلا للقوات ولا تستثمر حقاً إلا في من يمتلكها، وبكل أسف فقد كنا نحن العرب أجهل الأطراف الإقليمية والدولية في مكامن قوتنا والتي أرضيتها الأساسية هي الامكانات المتوفرة لنا جغرافياً وبشرياً واقتصادياً، وإن كنا نتغنى بهذه الإمكانات في إذاعاتنا ومهرجاناتنا، إلا أننا لم نجرب ولا مرة واحدة محاولة حشدها في منظومة توفر الإفادة منها في صد الاستباحة الدائمة والدخول إلى المعادلات الدولية من موقع الشريك وليس من موقع المتظلم .

بديهي أن تنهض قوىً وازنة لمنع هذا التوجه الاستراتيجي من التبلور وسوف تستخدم هذه القوى كل عوامل وأدوات الإعاقة، وأولها الطائفية التي صارت بكل أسف عنواناً فعالاً لتمزيق الكيانات والشعوب، كذلك صرف الانظار عن التنمية المستدامة والمنهجية في كل المجالات وغيرها الكثير الكثير من القنابل المزروعة في ثنايا المجتمعات العربية كي تنفجر كلما لاح توجه جدي لتوليد قوة عربية إقليمية تملأ الفراغ المدمر الذي تدفع الشعوب العربية ثمنه تباعاً، فيما مضى كان الكلام حول هذا الأمر يندرج تحت مصطلح أضغاث الأحلام، أما الآن فلعله الحقيقة المتبقية لنا وبدون اعتناقها وخدمتها فلا قيمة لنا ولا مجال لصحوتنا والدخول بجدارة إلى المعادلات الدولية كقوة يستحيل تجاوزها، بل لابد من احترام حاجاتها وتلبيتها. 

هذه هي الخطوة التالية والحاسمة التي لابد وأن تلي "عاصفة الحزم" وأن يبدأ العمل بها من الآن وإذا كان لابد من دور للقمة المنعقدة اليوم، فهو توفير الغطاء الرمزي لها من خلال قرارات جماعية عربية تعطي شرعية اضافية للتحالف الاستراتيجي، بينما الشرعية الحقيقية الأعمق هي الحاجة الملحة لولادة هذا التحالف على الأرض دون إبطاء.