وزير الخارجية الأمريكي جون كيري مع نظيره الإيراني جواد ظريف خلال المحادثات بشأن النووي الإيراني في لوزان بسويسرا (ديلي بيست)
وزير الخارجية الأمريكي جون كيري مع نظيره الإيراني جواد ظريف خلال المحادثات بشأن النووي الإيراني في لوزان بسويسرا (ديلي بيست)
الثلاثاء 31 مارس 2015 / 00:29

ديلي بيست: الجيد والسيء والقبيح في الاتفاقية النووية الإيرانية

24. إعداد: فاطمة غنيم

قال الكاتب الصحافي مايكل توماسكي، في مقال نشره موقع "ديلي بيست": "يبدو أن مسؤولي البيت الأبيض يظنون أن التوصل إلى اتفاقية نووية مع إيران سيغير كل شيء، فدعونا نأمل أن يكون هذا محاولة منهم لخداعنا لا لخداع أنفسهم".

واعتبر الكاتب هذا التوقيت حرج بالنسبة للمفاوضين النوويين في لوزان، الذين يرجون الاتفاق بحلول يوم الثلاثاء على الإطار السياسي الأساسي لاتفاق شامل ينبغي التوصل إليه بحلول 30 يونيو (حزيران).

ورأى الكاتب أن هذه لحظة مهمة بالنسبة للعالم، والولايات المتحدة، وإدارة أوباما، لكنها أيضاً مهمة لليبرالية والليبراليين الأمريكيين على وجه العموم، "لأني أرى أن هناك زوايا صحيحة وزوايا خاطئة للنظر إلى هذا الموقف، والإدارة الأمريكية في اعتقادي تنظر إليها من بعض من الزوايا الخاطئة، وعلى الرغم من أنه من البديهي أن يؤيد الليبراليون الإدارة في مواجهة الأفعال الرامية إلى لفت الأنظار، مثل خطاب مجلس الشيوخ المقيت، ينبغي أن نكون واضحين حيال ما ينبغي علينا أن نؤيده وما لا ينبغي أن نؤيده".

الآمال الكاذبة
وأضاف الكاتب: "ينبغي أن نأمل أن يتم إبرام اتفاقية نووية. لا شك في ذلك، لكن في الوقت نفسه، ينبغي ألا ننساق بعيداً في فكرة أن التوصل إلى اتفاقية نووية قد يسفر عن تغيرات أخرى إيجابية، ومع ذلك فقد ظل مسؤولو إدارة أوباما يروجون لهذه الفكرة تحديداً، بانين ما تكاد تكون يقيناً آمالاً كاذبة بشأن مقدار التغيير الذي سيطرأ على إيران، وأثاروا بفعلهم هذا شكوكاً عميقة لدى الديمقراطيين الليبراليين في المنطقة، الذي يخامرهم الآن شك في أن الولايات المتحدة تريد أن تكون صديقاً لإيران، وسيكون من دواعي سرورها أن تسمح للجمهورية الإسلامية بأن تصير القوة المهيمنة الإقليمية العظمى الوحيدة، وأنا يقينا آمل ألا يكون هذا صحيحاً، وإذا لم يكن كذلك، فالأجدر بنا أن نبدأ في ممارسة بعض الطمأنة تحقيقاً لتلك الغاية بعد التوصل إلى اتفاقية".

وأفاد الكاتب: "في البداية أقول: نعم، أيِّدوا التوصل إلى اتفاقية نووية، لأن البدائل أسوأ، والحقيقة أنه لا يوجد إلا بديلين، أحدهما هو السماح لإيران بامتلاك ترسانة نووية دون إشراف دولي على الإطلاق، والآخر هو الحيلولة دون ذلك بقصف المكان، هذا كل شيء، وكل هذا الحديث الذي جاء على لسان بيبي نتانياهو وإخوانه الجمهوريين عن "صفقة جيدة" ثرثرة مضلِّلة، وعلى فرض كونهم جادين في ذلك، فإنهم يريدون تخفيضاً في عدد أجهزة الطرد المركزي (وبنوداً أخرى معينة) لن تقبلها إيران أبداً.

لكن صفقتهم الجيدة هي في الغالب صفقة وهمية، وهي بالنسبة لكثيرين منهم، من أمثال جون بولتون، وهمية بشكل متعمد تماماً، فهم يريدون قصف المكان، وذلك على نحو ما كتب جون بولتون في صحيفة "ذا نيويورك تايمز" يوم الخميس، هم يريدون تغيير النظام. هم لا يريدون صفقة.

اتفاق مخيب
وذكر الكاتب: "إن اتفاقية مع شريك غير موثوق شيء مخيب للآمال، لكنها أفضل من الحرب، حتى إذا كانت هذه الحرب لن تنخرط فيها الولايات المتحدة انخراطاً مباشراً (قد تكون رسميّاً بين إيران وإسرائيل)، وهناك شيء آخر، وهو أن هذه الاتفاقية أفضل من الانتشار النووي الإقليمي، بمعنى أنه إذا نجح إبرام أي اتفاقية مع إيران في منعها من التسلح النووي، فليس هناك دافع إذن (أو على الأقل يكون الدافع أقل) لكي تتجه المملكة العربية السعودية إلى التسلّح النووي".

لكن الكاتب يدخل في ما يسميه الجزء الإشكالي، ليقول: "دعونا أولاً نبيّن الخلفية: لقد مضت الآن سنوات على الولايات المتحدة وهي تعمل – دون قصد على الأغلب – على تقوية إيران، وذلك بغزوها العراق، وبإساءتها بشدة لهذا الغزو، وبإفسادها عملية الانسحاب، وتركها الشيعي الطائفي نوري المالكي في سدة الحكم، وكلها أشياء حولت بغداد إلى مركز أمامي تابع لطهران، وبهجومها العنيف على تنظيم داعش، وهو الشيء الذي كان ولا يزال يلزمنا القيام به، لكنه في حد ذاته يساعد إيران، والناس في الشرق الأوسط قد لاحظوا هذا بطبيعة الحال".

في هذا السياق، يقول الكاتب، نجد أولئك الناس يرتعدون الآن عندما يرون المسؤولين الأمريكيين يتحدثون عن الاتفاقية النووية المحتملة وكيف ستؤدي إلى تغييرات كبيرة بكل أنواعها، وكيف يمكننا ضم إيران إلى حظيرة الأمم المتحضرة، وكيف سيحدث تحوّل في إيران، إنهم يرون كثيراً من السذاجة، وربما يكونون على حق. فلماذا، على سبيل المثال، يكون الإطار الزمني للاتفاقية المقترحة 10 سنوات؟ يقول كين بولاك، الزميل الأول في مؤسسة بروكينغز: "سمعت بعضاً ممن في الإدارة يقولون إنه سيحدث تغيير في القيادة في إيران في غضون 10 سنوات من الآن"، وأوضّح – في حالة ما لم يكن هذا واضحاً بالفعل – أن بولاك لا يشترك معهم في ذلك التفاؤل.

رفع العقوبات
وأكد الكاتب أن الإدارة الأمريكية لا ينبغي لها أن تفكر على هذا النحو، وذلك لسببين على الأقل، أولهما أن هذه ليست على الأرجح هي الزاوية التي تنظر منها إيران إلى أية اتفاقية محتملة على الإطلاق، حيث يؤمن بولاك بأن أية اتفاقية إنما هي اتفاقية "تبادلية بالكلية" في نظر لآية الله خامنئي، بمعنى أنه يريد أن تُرفع العقوبات، وهو مستعد لإبرام هذا الاتفاقية النووية لتحقيق هذا الهدف، وأما فكرة أن الأمر ينطوي على أي شيء أكثر من هذا فما هي سوى مجرد وهم، بحسب الكاتب.

وتتفق مع هذا الرأي جنيف عبده، الزميلة بمركز ستيمسون ومؤسسة بروكنغز، التي تقول: "إنهم يريدون أن تُرفع العقوبات، ويريدون اتفاقية نووية، وهذا هو كل شيء".

وأفاد الكاتب: "قالت لي جنيف إنها كانت حاضرة في مؤتمرات حول العالم جلس فيها ممثلو الرئيس روحاني أو مسؤولين من وزارة الخارجية الإيرانية، أو كلاهما، وهم يرددون على أسماع المسؤولين الأمريكيين وغيرهم من الغربيين نشيداً حول طبيعة التغييرات العظيمة التي ستجلبها الاتفاقية النووية المحتملة إلى إيران، لكنها تؤكد أن "روحاني سُمح له بالفوز في الانتخابات لأنه كان مكلفاً بمهمة العمل على رفع العقوبات والتوصل إلى اتفاقية نووية، لكنه لا يملك أية سلطة فيما وراء ذلك"، وهي تنوّه إلى أن التدخل الإقليمي الإيراني يديره مجلس الحرس الثوري، ولا يد لروحاني في هذا".

تغيير السلوك الإيراني
إذا كان بولاك وعبده على صواب – ويرى الكاتب أنهما على صواب – إذن فأي اتفاقية نووية لن تفعل شيئا لتغيير سلوك إيران الإقليمي، فسوف تحتفظ إيران بقواعد نفوذها في العراق، وستواصل دعمها لنظام الأسد وحزب الله وتقديم المساعدة للحوثيين في اليمن لأنه سيظل من مصلحتها أن تفعل هذه الأشياء، إذن فأن يروح مسؤولو أوباما ويجيئون قائلين "ستغير قواعد اللعبة"، بينما هناك في الحقيقة أسباب قوية تدفع إلى اعتقاد أنها ليست كذلك، ينطوي على مخاطرة بأن يجعل الإدارة تبدو حمقاء على طول الخط في حين أن سلوك إيران لا يتغير.

لكن ما هو أسوأ من هذا، برأي الكاتب، هو أن حديثاً هكذا يرسل في الحقيقة إشارة سيئة إلى الليبراليين والعلمانيين والديمقراطيين (ولا أعني أعضاء الأحزاب الديمقراطية) في المنطقة الذين ينبغي أن يكونوا موضع اهتمام عظيم من جانب الولايات المتحدة، هؤلاء الناس ينتقدون بشدة أية اتفاقية أمريكية إيرانية لأنهم يخشون أن تتمخض عن إيرانٍ أقوى (وتحظى بمساندة أمريكية ضمنية، وهذا أدهى)، ووجود إيران أقوى يشكّل كابوسا بالنسبة لهم، وما هذا بالشيء الطيب بالنسبة لنا ولا بالنسبة لأهدافنا المعلنة فيما يخص العالم أيضا، وفقاً للكاتب، تقول عبده: "الناس في المنطقة يقلقهم بشدة أن الولايات المتحدة ستنخدع وتظن أن إيران ستكون حليفاً من نوع ما".

إذن فما أرجوه هو أن يكون مسؤولو إدارة أوباما – حسنا – يكذبون علينا، بمعنى أني آمل أنهم لا يقولون هذا الكلام عن إيرانٍ جديدة محسّنة إلا لأنهم يظنون أن هذا الكلام قد يساعد على حشد دعم جماهيري للاتفاقية المحتملة، وهذا ليس بالشيء السار جداً، بحسب ما أوضح الكاتب، لكنه أفضل من الاحتمال الآخر، وهو أنهم يصدّقون فعلاً هذه الأقوال.


واستدرك الكاتب بقوله: "لكنهم إذا كانوا يقولون هذا لمجرد الاستهلاك المحلي، فبوسعنا أن نأمل عندئذ أن يبدلون مواقفهم ما إن يتم إبرام اتفاقية، ويبدأون في قول ما يجب عليهم قوله لطمأنة الناس في المنطقة، والذي هو: حسناً، هذا شيء طيب، نحن لدينا اتفاقية بشأن الأسلحة النووية، لكن هذا لا يعني أي شيء أكثر من هذا، إننا ما زلنا نعمل مع السعوديين على إعادة الرئيس هادي إلى السلطة في اليمن، وعلى الرغم من أننا معكم في العراق فيما يخص محاربة داعش، فإننا نختلف معكم من حيث أننا نريد دولة تعددية لا تكون مجرد تابع لإيران، وهي النقطة التي يبدو نوعاً ما أننا لم نؤكد عليها أخيراً".

وأضاف: "وقبل هذا كله، نحن نختلف معكم في سوريا. فقد أبدت الإدارة ليناً واضحاً مع الأسد من أجل إبرام الاتفاقية النووية مع إيران، لكن لماذا يتواصل هذا الموقف ما إن يتم إبرام الاتفاقية"؟ يقول بولاك: "ينبغي علينا عندئذ أن نفعل كل ما في وسعنا فعله لممارسة الضغط على الأسد كي يرحل، ستكون تلك طريقة رائعة نثبت بها للناس أننا ما زلنا منخرطين في اللعبة وأننا لا نعهد بسياستنا الخارجية إلى طهران من الباطن".

واختتم الكاتب مقاله بقوله: "إذن فلنأمل أن يتم التوصل إلى اتفاقية، لكن شريطة ألا تحدونا أية آمال كاذبة بشأن إيران فيما يتجاوز تلك الاتفاقية".