السبت 11 أبريل 2015 / 23:47

المسلم المأزوم في أوروبا



عوالم السرد ساحرة آسرة، وخاصة السرد الروائي، فالرواية حياة أخرى، حياة أكثر تشويقاً من حياتنا، مع أنها من حياتنا، شخصيات الرواية أكثر إمتاعاً، رغم أن العالم يحوي شخصيات أكثر تعقيداً. وبقدر ما تكون الشخصية مأزومة، بقدر ما تكون الرواية أنجح وأكثر قدرة على الخلود.

في نهاية التسعينات، وقبل أحداث سبتمبر 2001 كنت مفتوناً بكتابة رواية، منهمكاً في البحث في وجوه الناس عن شخصيات مأزومة، وقدر لي أن أزور أوروبا للمرة الأولى، كانت الزيارة للسياحة، مع وجود جزء من الوقت للمرور على المراكز الإسلامية، لأجد ضالتي في نموذج للشخصية المأزومة لم يكن يخطر على بال، لم تكن شخصية فرد، كانت حالة جمعية من التأزم النفسي لدى "الإسلاميين" في أوروبا. كانت تلك الشخصيات المأزومة تنبئ أن ثمة بركاناً يغلي وعلى وشك الانفجار، ولكن لم تكن العين ترصد.

تلك الشخصية الجمعية التي تعيش في أوروبا باعتبارها "دار كفر" وتنظر إلى البلاد التي هاجرت منها أو نبذت منها على أنها "دار كفر" أيضاً. فلا تجد مبرراً لهجرتها من "دار كفر" إلى "دار كفر" فتسعى لتغيير المجتمعات التي احتوتها إلى "دار إيمان".

تحتار في التصنيف لأنها لا تملك – في الأساس - الحق في التصنيف، فالمنهج المقرر لدراسة وضع تلك البلاد هو "أمريكا من الداخل" بمنظور سيد قطب" أو "أمريكا التي رأيت" بصوت عائض القرني، وأشباههما. ولا أريكم إلا ما أرى.

تلك الشخصية التي تحتار بين القومية والإيديولوجية، فترى المركز الإسلامي الخاص بالأتراك يمنع دخول المسلمين المغاربة، أو المسلمين السود في حين أن إمام المركز الإسلامي يتحدث عن وحدة الأمة وفكر الأمة.

كانت تلك الشخصية المأزومة تعيش نوعاً من الوهم وتصدق بيقين كبير أن النهضة الإسلامية القادمة ستكون من أوروبا وأمريكا، ولذلك كانت أوربا مرتعاً لقيادات حركات الإسلام السياسي. كانت الخلايا تنطلق لترسم خريطة أخرى للعالم، فخلية "هامبرج" جعلت العالم بعد سبتمبر 2001 مختلفاً عن العالم قبل هذا التاريخ.

من رسم معالم هذه الشخصية كان روائياً ماهراً، لكنه كان غاية في التشفي حين جعل نهايتها مأساوية داعشية، ونقل أحداث المشهد النهائي إلى العالم العربي مرة أخرى. ومن يدري هل هي نهاية الرواية أم أنها مجرد بداية لعقدة أخرى.