الجمعة 17 أبريل 2015 / 15:55

السراب| التنظيمات الجهادية: داعش

أصدر مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية الدكتور جمال سند السويدي، مؤخراً كتاب "السراب"، وتتمحور فكرته الأساسية حول "السراب السياسي" الذي يترتب على الوهم الذي تسوقه الجماعات الدينية السياسية لشعوب العالمين العربي والإسلامي.

تنظيم داعش تحول إلى مسار أكثر عنفاً ودموية بعد قيادة أبي بكر البغدادي

الظواهري فشل في إدارة "القاعدة" والسيطرة عليها عقب مقتل ابن لادن، والانشطارات الهيكلية فاقمت خطورة التنظيمات الإرهابية في العالَمين العربي والإسلامي

ويكشف الكتاب، عبر فصوله السبعة، حجم التضارب القائم بين فكر الجماعات الدينية السياسية وواقع التطور الحاصل في النظم السياسية والدولية المعاصرة، خاصة فيما يتعلق بمسألة التنافر بين واقع الأوطان والدول وسيادتها القانونية والدولية من ناحية، ومفهوم الخلافة الذي تتبناه هذه الجماعات من ناحية ثانية، كما يكشف هذا الكتاب علاقة الترابط الفكرية القائمة بين جماعة الإخوان المسلمين والتنظيمات المتطرفة التي ولدت في مجملها من رحم هذه الجماعة، وفي مقدمتها القاعدة وداعش.

24 ينفرد بنشر كتاب "السراب" على حلقات:

الحلقة 32

الباب الثاني: حالات تطبيقية

الفصل السادس| الجماعات الدينية السياسية: التنظيمات الجهادية

تنظيم داعش

ثانياً: تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"
على الرغم من أن تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) كان حديث الظهور على الساحة السورية، فإن أصول هذا التنظيم تعود إلى سبتمبر 2003م، حين شكل أبو مصعب الزرقاوي تنظيماً سمّاه "جماعة التوحيد والجهاد"، حيث تزعم الزرقاوي هذا التنظيم، واعتمدت الجماعة على الهجمات بالعبوات المتفجرة باستخدام الانتحاريين الذين يقودون الشاحنات المفخخة، أو عن طريق تفجير السيارات المفخخة عن بُعد. وقد وصل عدد الهجمات التي قامت بها الجماعة منذ إنشائها في شهر سبتمبر 2003م إلى شهر أكتوبر 2004م، نحو خمسين هجوماً، وتركزت معظم الهجمات في العاصمة العراقية بغداد.

حملة عقائدية 
وتمكنت الجماعة من تطوير أساليبها في الحرب النفسية والسياسية والمعلوماتية، عن طريق شن حملة عقائدية وسياسية ضد شـرعية الحكومة والدولة. وتذكر بعض المصادر أن الولايات المتحدة الأمريكية أصـرت على ربط الزرقاوي وتنظيمه بتنظيم القاعدة، من أجل تبرير غزوها للعراق، في محاولة منها لربط الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين بتنظيم القاعدة، ضمن حججها لغزو جمهورية العراق عام 2003م.

ومن المعروف أن الأردني الأصل أحمد فاضل الخلايلة، الملقب بأبي مصعب الزرقاوي، كان على خلاف مع تنظيم القاعدة حول عدد من القضايا الفكرية والقتالية، برغم أن كليهما ينتمي إلى الأيديولوجية الجهادية السلفية، فبينما كان الزرقاوي يكفّر الأنظمة العربية من دون تمييز، كان أسامة بن لادن يستثني بعض البلدان في المراحل الباكرة، خصوصاً المملكة العربية السعودية. وبينما بايع أسامة بن لادن الملا محمد عمر ونظام طالبان، كان الزرقاوي متشدداً بخصوص البيعة. وكان من أهم أسباب الخلاف أنه في الوقت الذي طور فيه أسامة بن لادن والظواهري استراتيجيتهما، من قتال العدو القريب (أنظمة الحكم العربية والإسلامية)، إلى قتال العدو البعيد الممثل في اليهود والصليبيين بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية وإسـرائيل، كان الزرقاوي متمسكاً بوجوب قتال العدو القريـب.

غير أن الأمور تطورت بعد سقوط نظام طالبان في جمهورية أفغانستان الإسلامية، وفقدان القاعدة الملاذ الآمن هناك، حيث استقر رأي القاعدة على مهاجمة المملكة العربية السعودية بهدف زعزعة ثقة الولايات المتحدة الأمريكية بها وهز العلاقات الوثيقة بين البلدين؛ حيث بدأ تنظيم القاعدة عملياته الفعلية في شهر مايو 2003م بسلسلة من التفجيرات (منها تفجير مجمعات سكنية في الرياض يقطنها أجانب). وقد نشأت عمليات فرز واستقطاب داخل التيار السلفي الجهادي في المملكة العربية السعودية، وولدت النجاحات الأمنية السعودية في مكافحة تنظيم القاعدة تحولاً فكرياً لدى أتباع التنظيم ممن رأوا أن استراتيجية الزرقاوي في جمهورية العراق أكثر فعالية وصواباً، وأنه لا جدوى من الاستمرار في تنفيذ العمليات داخل المملكة العربية السعودية. وبدأ عدد من كوادر القاعدة بالانحياز إلى الزرقاوي، ما مهّد الطريق أمام انضمامه لاحقاً إلى تنظيم القاعدة. وبالفعل، أعلن أبو مصعب الزرقاوي البيعة والانضمام إلى تنظيم القاعدة، وتم تغيير اسم جماعته من "التوحيد والجهاد" إلى "تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين". وأعلن في الرابع من أكتوبر 2004م مبايعته تنظيم القاعدة بزعامة أسامة بن لادن في حينها، ليصبح ممثل تنظيم القاعدة في المنطقة أو ما سمي "تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين".



وقد أعلن الزرقاوي في 15 ديسمبر 2005م، تشكيل "مجلس شورى المجاهدين" وهو المجلس الذي انبثق من تنظيم القاعدة، بهدف توحيد العمل ضد الاحتلال الأمريكي، وليكون نواة الدولة الإسلامية. وأعلن الزرقاوي قرب إعلان قيام دولة الخلافة في العراق، وحدد الفترة اللازمة للإعلان بثلاثة أشهر، غير أن مقتله في الثامن من شهر يونيو 2006م في عملية قصف أمريكي في بعقوبة أجَّل تلك الخطوة.

قيادة البغدادي
في أعقاب ذلك، تم تعيين أبي حمزة المهاجر، زعيماً لتنظيم القاعدة في العراق، وفي 15 أكتوبر 2006م، تم تشكيل تنظيم عسكري يختصـر كل تلك التنظيمات، ويجمع كل التشكيلات الأصولية المنتشـرة على الأراضـي العراقية، إضافة إلى أنه يظهر أهدافها عبر تنظيم هو "دولة العراق الإسلامية " بزعامة أبي عمر البغدادي. وفي شهر إبريل 2010م، قامت القوات الأمريكية بتنفيذ عملية عسكرية، استهدفت منزلاً كان فيه أبو عمر البغدادي، وأبو حمزة المهاجر. وبعد اشتباكات عنيفة بين الجانبين واستدعاء الطائرات تم قصف المنزل ليقتلا معاً، وبعد نحو عشـرة أيام انعقد مجلس شورى الدولة الإسلامية في العراق ليختار أبا بكر البغدادي خليفة لسلفه أبي عمر البغدادي.
   
وأبو بكر البغدادي، هو إبراهيم عواد البدري المولود عام 1971م في مدينة سامراء العراقية، له العديد من الأسماء والألقاب: "علي البدري السامرائي"، و"أبو دعاء"، والدكتور إبراهيم، و"الكرار"، وهو خريج الجامعة الإسلامية في بغداد، درس فيها البكالوريوس والماجستير والدكتوراه بحسب ما تشير إليه بعض المصادر. وقد بدأ البغدادي نشاطاته منطلقاً من الجانب الدعوي والتربوي إلا أنه ما لبث أن انتقل إلى الجانب الجهادي، حيث ظهر بوصفه رمزاً للسلفية الجهادية في محافظتي ديالى وسامراء العراقيتين. وأسس خلايا جهادية صغيرة قامت بعدد من العمليات وشاركت في الصـراعات التي شهدتها جمهورية العراق في السنوات الثلاث الماضية، وأنشأ بعدها تنظيماً سمّاه "جيش أهل السنة والجماعة"، ونشطت عملياته في بغداد وسامراء وديالى، ثم ما لبث أن انضم مع تنظيمه إلى مجلس شورى المجاهدين، وشغل منصب عضو في مجلس الشورى حتى إعلان دولة العراق الإسلامية. ونصب أبو بكر البغدادي نفسه في السادس عشـر من مايو 2010م، أميراً لما يعرف بالدولة الإسلامية في العراق.



وللدولة الإسلامية في العراق مسار دموي واضح، فمنذ تولي أبي بكر البغدادي زعامة هذا التنظيم (وبعيداً عما نفذته القاعدة قبله في جمهورية العراق في عهد الزرقاوي ومن تبعه) قام التنظيم بتنفيذ عدد كبير من العمليات والهجمات التي حصدت أرواح الآلاف من العراقيين منذ تولي البغدادي زعامة التنظيم في مايو عام 2010م، أشهرها كانت عملية مسجد أم القرى في بغداد التي أسفرت عن مقتل النائب العراقي خالد الفهداوي، وهجمات انتقامية لمقتل زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، حيث شن عمليات عدة في جمهورية العراق أدت إلى مقتل المئات من رجال الجيش والشـرطة العراقية والمواطنين، وتبنى عبر الموقع الإلكتروني التابع لتنظيم القاعدة في العراق أكثر من 100 هجوم انتحاري انتقاماً لمقتل ابن لادن، تلاها عمليات عدة في العراق صنفت بالنوعية، كعملية البنك المركزي خلال شهر يونيو 2010م.

فشل الظواهري
وقد اعتبرت كتابات وآراء عديدة، أنه في أعقاب تلك الانشقاقات والاختلافات، وبعد خطاب زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري في شهر يناير 2014م، الذي ناشد فيه الجماعات في الجمهورية العربية السورية التوقف عن قتال بعضها بعضاً والارتفاع "فوق الانتماء التنظيمي والعصبية الحزبية"، يواجه الظواهري أزمة حقيقية في قدرته على السيطرة على هيكل التنظيم، الذي يزداد اتساعاً كل يوم، خصوصاً أن تلك المناشدة جاءت بعد أشهر من قراره إلغاء "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، (داعش)، مؤكداً في تسجيله الصوتي في شهر نوفمبر 2013م أن "جبهة النصـرة" وحدها هي الفرع السوري لهذا التنظيم التابع لتنظيم القاعدة. هذه الانشقاقات الداخلية للتنظيمات الجهادية السلفية المرتبطة بتنظيم القاعدة ليست الأولى، لكنها الأوضح على مستوى هذا التنظيم. وكانت الخلافات بين تنظيمي "داعش" و"جبهة النصـرة" قد زادت وتوسعت، وبلغت حد الاغتيالات المتبادلة بين الطرفين.



كما خرج الصـراع بين تنظيم "داعش" و"جبهة النصـرة" (فرع تنظيم القاعدة في الجمهورية العربية السورية)، إلى العلن بعد اتهام المتحدث باسم "داعش" طه صبحي فلاحة الملقب بأبي محمد العدناني تنظيم القاعدة بأنه قد انحرف عن المنهج الجهادي وشق صفوف المقاتلين الجهاديين. ودعا العدناني في تسجيل صوتي بث على مواقع جهادية في شهر إبريل 2014م، المقاتلين في صفوف التنظيمات الجهادية إلى تأييد تنظيمه في خلافه مع القاعدة، الذي رأى أنه لم يعد "قاعدة الجهاد". وأكد أن الخلاف بين داعش والقاعدة: ليس على قتل، أو على بيعة فلان، لكن القضية قضية دين أعوجَّ، ومنهج انحرف بعد أن بات يؤمن بالسلمية، ويجري خلف الأكثرية.

وكانت تقارير صحافية قد ذكرت أن رسائل أسامة بن لادن التي عثرت عليها الاستخبارات المركزية الأمريكية في منزله، بعد مقتله في جمهورية باكستان الإسلامية في الثاني من شهر مايو 2011م، قد كشفت عن حجم هذه الخلافات والانشقاقات التي حدثت داخل تنظيم القاعدة.
وفي ضوء ما سبق، يمكن القول إن نشأة تنظيم "الدولة الإسلامية" المعروف إعلامياً بـ "داعش" تعد امتداداً للخلافات الأيديولوجية والتنظيمية التاريخية بين "القاعدة" المركزية وفروعها الإقليمية، وهي خلافات تعود إلى عهد أحمد الخلايلة (أبو مصعب الزرقاوي)، قائد تنظيم "القاعدة في بلاد الرافدين" قبل مقتله عام 2006م، كما أشـرت إليه سالفاً، فالأخير، وعلى الرغم من بيعته لأسامة بن لادن مؤسس تنظيم "القاعدة" وزعيمه السابق، لم يلتزم بفتاوى منظري "القاعدة" في إدارته عمليات التنظيم في العراق، حيث قدم قتال الشيعة على قتال الأمريكيين، بما يعكس تباين الأجندتين، إذ تعد مواجهة الغرب، عموماً، والولايات المتحدة الأمريكية خصوصاً، والتصدي للهيمنة الخارجية وتمكين الشـريعة داخلياً وصولاً إلى إقامة الخلافة، ركائز فكرية أساسية للقاعدة، بينما تقوم أجندة تنظيم داعش على أولوية مواجهة النفوذ والتوسع الإيراني في المنطقة ومحاربة "المشـروع الصفوي" كما تصفه، وخصوصاً بعد رحيل القوات الأمريكية عن جمهورية العراق، فالأساس الطائفي السني-الشيعي، هو المحرك الرئيسـي لسلوك "داعش"، وهذا سبب قوته في ظل بيئة صـراعية طائفية، بينما الأساس المصلحي الجيوسياسـي هو المحرك الرئيسـي للقيادة المركزية للقاعدة، أما إقامة ما يصفونه بدولة الخلافة فهو الهدف المشترك للطرفين.