الجمعة 8 مايو 2015 / 12:34

السراب| داعش ومتغيرات الصـراع الإقليمي

أصدر مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية الدكتور جمال سند السويدي، مؤخراً كتاب "السراب"، وتتمحور فكرته الأساسية حول "السراب السياسي" الذي يترتب على الوهم الذي تسوقه الجماعات الدينية السياسية لشعوب العالمين العربي والإسلامي.

سمحت ظروف الأزمة السورية بصعود تنظيم الدولة الإسلامية، كما تنامت قوة سيطرته على مساحات شاسعة من الأراضـي العراقية، وسط مشهد داخلي زاخر بمظاهر الفوضـى الأمنية والفرقة والتناحر المذهبي

تسبب نشوء داعش في زيادة حدة الانشقاقات في صفوف تنظيم القاعدة بعد إعلان عدد من الجماعات التابعة له فكرياً وحركياً مبايعتها للتنظيم الجديد وأميره أبي بكر البغدادي

ويكشف الكتاب، عبر فصوله السبعة، حجم التضارب القائم بين فكر الجماعات الدينية السياسية وواقع التطور الحاصل في النظم السياسية والدولية المعاصرة، خاصة فيما يتعلق بمسألة التنافر بين واقع الأوطان والدول وسيادتها القانونية والدولية من ناحية، ومفهوم الخلافة الذي تتبناه هذه الجماعات من ناحية ثانية، كما يكشف هذا الكتاب علاقة الترابط الفكرية القائمة بين جماعة الإخوان المسلمين والتنظيمات المتطرفة التي ولدت في مجملها من رحم هذه الجماعة، وفي مقدمتها القاعدة وداعش.

24 ينفرد بنشر كتاب "السراب" على حلقات:

الحلقة 34

الباب الثاني: حالات تطبيقية

الفصل السادس| الجماعات الدينية السياسية: التنظيمات الجهادية

تنظيم داعش (3)

"داعش" ومتغيرات الصـراع الإقليمي
وفّرت الأحداث والتطورات المتلاحقة في العالَمين العربي والإسلامي منذ بداية القرن الحادي والعشـرين، والتي شكلت وفقاً للبعض، تهديداً لمعادلات القوى وتوازناتها التي ظلت سائدة لعقود بين الدول والقوى الإقليمية، إضافة إلى المحددات والتغيرات المتسارعة التي شهدها النظام العالمي الجديد، مساحة خصبة لصعود تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في أراضـي الجمهورية العربية السورية وجمهورية العراق، وتلويحه بامتداد خلافته المزعومة جغرافياً وسياسياً نحو فضاءات مجاورة، بعد إعلاء الطائفية واتخاذ التكفير والعنف نهجاً دموياً في نطاق تحركه ضمن خريطته الافتراضية لحدود خلافته الإسلامية الافتراضية التي شملت ضمن نطاق "خلافتها" دولاً مثل جمهورية العراق والجمهورية العربية السورية والمملكة الأردنية الهاشمية ودولة فلسطين والجمهورية اللبنانية وبعض الدول الخليجية، وفي مشـروعه الأممي و"مهمة حماية المسلمين في كل مكان يوجدون فيه"، وفق البغدادي.

وقد سمحت ظروف الأزمة السورية بصعود تنظيم الدولة الإسلامية، كما تنامت قوة سيطرته على مساحات شاسعة من الأراضـي العراقية، وسط مشهد داخلي زاخر بمظاهر الفوضـى الأمنية والفرقة والتناحر المذهبي الذي يدفع باتجاه الحرب الأهلية ويفتح المجال أمام سيناريوهات التفكك والتقسيم، ما يجعل العراق ساحة مفتوحة الاحتمالات؛ إما نحو حوار وطني شامل يستهدف بناء ديمقراطية توافقية دونما إقصاء، وبما يسهم في انحسار نفوذ تنظيم داعش واحتواء خطره، وإما نحو انتكاسة طائفية جديدة، أسوة بأحداث عام 2008م، غداة الصدام بين الفصائل الإسلامية الشيعية والسنية، بما يدعم فرص استمرار الأزمة العراقية وتراجع الحلول السياسية لمصلحة تعزيز قوة تنظيم داعش وهيمنته على مناطق أخرى.



وقد دفع صعود تنظيم الدولة الإسلامية وارتفاع وتيرة جرائمه ضد المدنيين في ساحات تحركه، بالولايات المتحدة الأمريكية إلى قيادة تحرك لتشكيل تحالف دولي مضادّ له، تمت ترجمته في عقد اجتماعات متوالية لوزير الخارجية الأمريكي جون كيري مع وزراء خارجية الدول العربية، باستثناء الجمهورية العربية السورية، لشن حملة عسكرية ضد تنظيم داعش وقصف مواقعه في جمهورية العراق وشمال الجمهورية العربية السورية من الجو، حيث كانت واشنطن قد أقدمت على ذلك فعلياً في شهر أغسطس 2014م، برغم إعلان بعض الدول، ومن ضمنها جمهورية ألمانيا الاتحادية وجمهورية تركيا، عدم الاشتراك في الحملة، مع الاستعداد لتقديم المساعدة اللازمة لها.

وقد عكست حالة الاستنفار الدولي والإقليمي ضد تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" إدراكاً واسعاً لخطورة التهديدات التي يمثلها هذا التنظيم، ليس على أمن الدول العربية والإسلامية واستقرارها فقط، وإنما على الأمن والسلم الدوليين أيضاً، وهو الأمر الذي تم التعبير عنه بوضوح في قرار مجلس الأمن رقم 2170 الصادر في 15 أغسطس 2014م، والبيان الختامي الصادر عن الاجتماع العربي- الأمريكي الذي عُقد في مدينة جدة السعودية في 11 سبتمبر 2014م، وكذلك البيان الصادر عن "المؤتمر الدولي بشأن الأمن والسلام" في العراق، الذي عُقد في باريس بحضور 26 دولة (15 سبتمبر 2014م)، أكدت جميعها رفض الممارسات الإرهابية من جانب "داعش" وغيره من التنظيمات المتطرفة وضـرورة التصدي الحازم لها.



كما عكست الضـربات الجوية التي تنفذها قوات التحالف الدولي، الذي يضم أكثر من 60 دولة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، ضد تنظيمي "داعش" و"جبهة النصـرة" في جمهورية العراق والجمهورية العربية السورية، جدية المجتمع الدولي في التحرك لوضع حد للأعمال الإرهابية التي تمارسها هذه التنظيمات المتطرفة باسم الدين. وتؤدي بعض الدول العربية والإسلامية، ومن بينها دولة الإمارات العربية المتحدة، دوراً حيوياً فاعلاً في هذا التحالف الدولي، في ترجمة عملية لقناعاتها السياسية بخطر الظاهرة الإرهابية وتأثيراتها السلبية البالغة في الأمن والاستقرار الإقليمي والعالمي، وتشويهها للدين الإسلامي وصورته السمحة في العالم.

خلاصـة
يشير هذا الفصل إلى أن التنظيمات الجهادية تمثل النمط الأكثر راديكالية وتطرفاً في تطور الجماعات الدينية السياسية في العالمين العربي والإسلامي، حيث استندت هذه التنظيمات إلى أطر فكرية جامدة ومغرقة في التطرف والانغلاق تحض على الجهاد والعنف باعتباره السبيل الوحيد لما تزعم أنه طوق نجاة للمسلمين من الأوضاع السيئة التي يعيشونها عبر رفع شعار الحاكمية، الذي يستهدف بالأساس تكريس شـرعية زائفة لهذه الجماعات والتنظيمات، ونزع الشـرعية عن أنظمة الحكم القائمة، وهي الأفكار المستقاة من أطروحات منظري الفكر الجهادي وفي مقدمتهم سيد قطب وأبو الأعلى المودودي. وقد تطورت هذه التنظيمات من جماعات محلية صغيرة الحجم إلى تنظيمات متعددة الجنسيات، وعابرة للحدود وأصبحت تشكل تهديداً ليس لأمن واستقرار المجتمعات العربية والإسلامية فقط وإنما للأمن والاستقرار العالميين أيضاً. وقد أسهمت مجموعة من العوامل في تغذية انتشار هذه الجماعات، من بينها تردى الأوضاع الاقتصادية في كثير مـن الـدول العربيـة والإسلامية وتزايد معدلات الفقر والبطالة بين الشبـاب.

وبرز تنظيم القاعدة بوصفه أحد أهم التنظيمات المتطرفة وأكثرها تشعباً وانتشاراً، ولاسيما بعد اعتداءات الحادي عشـر من سبتمبر 2001م، وما تلاها من حرب عالمية على الإرهاب قادتها الولايات المتحدة الأمريكية للقضاء على التنظيم والداعمين والممولين له.

وقد مر هذا التنظيم بثلاث مراحل رئيسية هي:
مرحلة التأسيس التي بدأت عام 1993م على يد مؤسس التنظيم أسامة بن لادن عندما كان مقيماً في جمهورية السودان

مرحلة العمل الجهادي العسكري التي بدأت عملياً عام 1998م، عندما تقرر إعلان "الجبهة العالمية لمحاربة اليهود والنصارى"، التي مثلت تحالفاً ضم عدداً من التنظيمات الجهادية الأخرى.

ومرحلة التوسع اللامركزي، التي بدأت مع الغزو الأمريكي لجمهورية العراق واحتلالها في مارس 2003م، والتي شهدت تأسيس فروع للقاعدة في الجمهورية اليمنية والمغرب الإسلامي والصحراء الإفريقية وجمهورية الصومال والجمهورية العربية السورية وجمهورية العراق، علاوة على دولة المنشأ جمهورية أفغانستان الإسلامية.



وقد تعرض تنظيم القاعدة لضـربات قوية خلال الحرب على الإرهاب، كما شهد انشقاقات متعددة أضعفت قوته ولكنها لم تقض على خطورته أو توقف تهديده، في وقت برز فيه تنظيم آخر يتبنى الفكر الجهادي ذاته وهو تنظيم "داعش"، الذي أصبح أكثر خطورة بعد استيلائه على مساحات واسعة من أراضـي الجمهورية العربية السورية وجمهورية العراق وإعلانه إقامة دولة "الخلافة الإسلامية" في نهاية يونيو 2014م، وتلويحه بامتداد خلافته المزعومة جغرافياً وسياسياً نحو فضاءات مجاورة.

وقد تسبب نشوء داعش في زيادة حدة الانشقاقات في صفوف تنظيم القاعدة بعد إعلان عدد من الجماعات التابعة له فكرياً وحركياً مبايعتها للتنظيم الجديد وأميره أبي بكر البغدادي، كما أسهم في تعميق الانقسام الفكري والحركي في التيار السلفي الجهادي.

ومثلما أدى الصعود الخطير لتنظيم القاعدة وتنامي تهديداته إقليمياً ودولياً إلى إعلان حرب عالمية ضده، فقد أدى التهديد المتنامي الذي مثله تنظيم داعش إلى تشكيل تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وأكثر من 60 دولة أخرى لمواجهة هذا التنظيم والقضاء عليه، الأمر الذي أصبحت معه هذه التنظيمات الجهادية ضمن الفواعل الدولية التي تهدد السلم والأمن الدوليين.