السبت 18 أبريل 2015 / 19:00

قلقون على ما تبقى لهم



لا يقلق الفلسطينيون حالياً جراء انهيار عملية السلام، وابتعاد فرص حل قضيتهم، ذلك أن الواقعية السياسية التي تعلموها على مدى قرن هي عمر قضيتهم، تقنعهم إذا ما قرأوا ما يجري في إسرائيل وفي العالم العربي وعلى الصعيد الدولي، بأن حلاً على المدى المنظور لقضيتهم لم يعد وارداً وكل الصيغ التي يجري الحديث عنها من مجلس الأمن إلى محكمة الجنايات إلى اعترافات البرلمانات، هي من النوع طويل الأمد الذي إن أفرز شيئاً فليس على المدى المنظور .

ولقد تعود الوعي الفلسطيني على حقيقة أن الفرص تأتي واعدة إلا أنها حين تفشل، تخلّف تراجعاً في الوعد وانتكاسة في الآمال .

القلق الفلسطيني المستبد في هذه الفترة، ويؤثر على الوجدان والسلوك يتصل بعناوين عديدة لا علاقة مباشرة لها في الحلول الاساسية للقضية الفلسطينية، ففي الشتات يسيطر الخوف والقلق على مخيماتهم جراء العواصف العاتية التي تدك البيئة التي يعيشون فيها، وما اليرموك وقبله نهر البارد في لبنان، إلا نماذج وعناوين وليس معضلات قائمة بذاتها .

والملايين الفلسطينية المنتشرة في كل بقاع الدنيا، يملؤهم قلق على الهوية والانتماء ... ففي كل المنافي يحاول الفلسطينيون التغلب على هذا القلق، الذي جذره فقدان الصلة بالجذور وبالتربة الأصلية التي لا يخلو قلب من الحنين إليها، إلا أن منبع القلق الأساسي والمفاعل الدائم لإنتاجه وتعميمه هو الوضع الفلسطيني في حاضنته الأساسية "فلسطين"، ولو حاولنا إحصاء ما يقلق الفلسطينيين في بلدهم فاننا ببساطة لن نجد أمراً واحداً لا يدعو إلى القلق، وإذا كان لأوسلو من بعض مزايا متفق عليها أو مختلف فكان أولها وأهمها، بناء مؤسسات وطنية معترف بها للشعب الذي لم يكن معترفاً به أصلاً، فنشأت نتيجة الاتفاق الإشكالي مقدمات دولة واعدة فيها برلمان منتخب وحكومات تمثل أمام برلمانها وموازنة تناقش، تقر أو ترد، وباب مفتوح باتجاه استكمال مقومات الدولة على أرضها، إلا أن هذا تآكل على نحو مريع، فتلاشى البرلمان الواعد فهبطت مهمات الحكومة إلى جزيء فوق الصفر في الجدوى والصلاحيات، وتجزأت القضية الواحدة إلى شظايا، وصغرت الآمال إلى حد الانصراف في معالجة أمور الحياة اليومية، فغزة مثلاً خافت من الشتاء لأن الصقيع والمطر سيأكل من جلود الذين لا مأوى لهم، وتخاف من الصيف القادم لأن البيوت المؤقتة وانقطاع الماء والكهرباء، ستكمل مهام الشتاء القاسي في تعذيب الناس، وانهاك حياتهم .

أما اشقائهم في الضفة الذين لا يعانون من نقص الماء والكهرباء، فإنهم يواجهون كل يوم فقد شاب أو طفل اقترب من جدار العزل أو خرج متظاهراً أو محتجاً على أمر ما، ويصحون كل يوم على أرض كانت لهم منذ الأزل، فإذا بها في غمضة عين ضاعت وإلى الأزل .

قلق مباشر في غزة على أبسط بديهيات الحياة، وقلق عميق في الضفة على فقدان الأماني والجذور.
ومع تعود الفلسطينيين على هذا الحال الذي لا يشبهه حال آخر في أي مكان، فقد اخترعوا تحايلات تنجي من الاستسلام لما يواجهون، وتثبت أملهم الدفين الذي لا مبرر للبقاء من دونه .

في كل يوم تنهض آلاف المباني، وآلاف الأعراس، وطوابير خريجي المعاهد والجامعات، فلا يطفئ وجع المأتم والجنازة إلا فرح العرس والتخرج، ولا يوازن الأضرحة إلا المباني الشاهقة حتى لو رافقها الخوف من أن تهدم في غارة أو لمخالفة.
وما تبقى للفلسطينيين وإن بدا اليوم قليل ومحاط بالخوف والقلق إلا أن الأمل بأن يكبر يوماً يظل هو الماء الذي يروي الحياة، وهذه هي أصل الحكاية الفلسطينية وما أقصده بما تبقى لهم.