السبت 18 أبريل 2015 / 19:35

سرابهم وماؤنا ... نحو "تنوير" يحاصر الإرهاب



ينمو التطرف الديني والإرهاب في الغالب الأعم إن وجد بيئة اجتماعية مظلمة، بكل ما يعنيه الإظلام من معاني تنصرف إلى الفاقة والجهل والعزلة وضيق الانتماء وانحرافه بفعل التعصب الأعمى تارة والاستهانة بكل فكرة وكل جماعة بشرية أو نزعة إنسانية خارح تحكمات التنظيم المتطرف وتعاليمه تارة أخرى. كما ينمو التطرف مع الشعور الدفين بالنقص والمهانة حقيقة كان أو زيفاً، وكذلك وجود هوة واسعة بين الحكام والمحكومين، وظهور علامات لفشل الدولة أو ارتخائها.

وقد حوى كتاب "السراب" للدكتور جمال سند السويدي أستاذ العلوم السياسية ومدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية كثيرا من الأفكار والتدابير التي تظهر هذه الأسباب بطريقة غير مباشرة، أو مضمرة في مقاربته للتنظيمات والجماعات الدينية السياسية، بدءاً من عرض تاريخ نشأتها وتطورها وانتهاء برسم مسارات مستقبلها مروراً بطرح أفكارها الأساسية وشخصياتها البارزة ومواقفها من الوقائع السياسية والاجتماعية في البلاد التي ظهرت فيها أو تلك التي امتدت إليها.

وهذا الكتاب، الذي رسم خريطة معرفية لمثل هذه التنظيمات، يفرض ثلاثة أمور أساسية، تشكل حصيلة إمعان النظر فيه أو الوقوف على الرسالة التي يطرحها ويرعاها، وهي:

1 ـ مشروع هذه التنظيمات المتطرفة، التي أنتجت الإرهاب الرمزي واللفظي والمادي، محض كذبة كبرى، فهي ظلت كثيرا تطرح نفسها باعتبارها "الحل" و"الوعد" و"الأمل" وانخذعت قطاعات عريضة من الناس بهذا، لكن اكتشف الجميع أن كل ذلك وهم وسراب، لأن الفكرة من حيث المنشأ فاسدة، والممارسات معوجة، علاوة على التواء النهج، وغياب البرنامج العصري، والسير عكس حركة التاريخ.

2 ـ لا خروج من هذا هذا الوهم إلا بكشف مقولاته وفضح مساراته وممارساته، وإنهاء الذرائع التي توجده، أو الأسباب التي تولده، ووقف كل ما يغذيه ويقويه، ويمكنه من الاستقرار والاستمرار، وذلك عبر تعبئة الموارد المادية والمعنوية التي تملكها الدولة والمجتمع المدني في وجه الجماعات الدينية السياسية.

3 ـ يكون هذا الخروج بالإصلاح الديني والتنوير جنبا إلى جنب مع الإصلاح المجتمعي وتحرير إرادة البشر، بما يقطع الطريق على سعى هذه التنظيمات إلى بناء عمق اجتماعي مستغلة أي انسحاب للدولة من تقديم الخدمات الكافية للمواطنين، ويطرح أمام الناس بديلا اجتماعيا راسخ المعالم فلا يجدون أنفسهم في حاجة ماسة إلى الانتماء لهذه التنظيمات أو الانصات إلىها بحثا عن ألفة أو منفعة.

وهذا التنوير يجب أن يتوسل بالتعليم والتثقيف والإعلام واعتدال الخطاب الديني، ويرمي أولا إلى تبديد المقولات الرئيسة للمتطرفين والإرهابيين، من قبيل "الحاكمية" و"الجاهلية" و"جهاد الطلب" و"إقامة الخلافة" بمنطقها ومسلكها التاريخي الذي امتد من غانا إلى فرغانة، و"الولاء والبراء" و"غياب الشريعة" في حياة المسلمين المعاصرين، وضرورة وجود "جماعة" تقيم الإسلام في شموله.

ثم بعد ذلك ينطلق التنوير إلى بناء مشروعه الذي يعيد الدين إلى وظيفته الأساسية في الامتلاء الروحي والسمو الأخلاقي والخيرية، ويطلق العنان للعقل ليفكر ويبدع وهو مطمئن إلى أنه يكمل مسيرة الوحي ولا يناقضها، كما يطلق العنان للإرادة الإنسانية بعيداً عن تسلط أمير التنظيم وشيخ الجماعة وولي الطريقة، وبعيداً عن تقديس المقولات القديمة وأصحابها.

كتاب "السراب" بحث في تاريخ الحركات الدينية المسيسة وأفكارها وممارساتها، وبحث في علم اجتماع الدين جنباً إلى جنب مع كونه بحثاً في العلوم السياسية، وعبور هذه الأنواع المعرفية أعطى البحث عمقاً، ويجعله يفرض سؤال اللحظة: متى يبدأ الإصلاح الديني عند المسلمين؟ متى ندخل زمن الأنوار أو التنوير؟