وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف(أرشيف)
وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف(أرشيف)
السبت 18 أبريل 2015 / 23:34

فورين بوليسي: هل تسعى إيران لابتزاز 300 مليار دولار أمريكي؟

24 - إعداد: طارق عليان

أكد رئيس مجلس إدارة مجموعة FP المسؤولة عن إنتاج مجلة فورين بوليسي وموقع فورين بوليسي، ديفيد روثكوبف، على ضرورة أن يكون تخفيف العقوبات مكافأة على إنهاء إيران برنامجها لصنع الأسلحة النووية، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن الاتفاقية الحالية تمثل تعويضاً هائلاً عن مجرد تعليق هذا البرنامج مؤقتاً.

ليس واضحاً بالضبط كم ستجني إيران فعلاً من وراء تخفيف العقوبات لكن استناداً إلى تقدير أن الأصول الخارجية سيزيد مجموعها على 120 مليار دولار وإلى التقدير المعقول بالقدر نفسه بأن إيران ربما تكسب ما يزيد على 20 مليار دولار سنوياً على هيئة إيرادات نفطية يكون لدينا اتفاقية مدتها 15 سنة ستسفر عن مكسب نسبي يبلغ 420 مليار دولار

وقال الكاتب: "أمر مختلف أن يتم تخفيف العقوبات المفروضة على إيران في مقابل تخلي البلد عن برنامجه لصنع الأسلحة النووية، وقد كان هذا هو الغرض من فرض العقوبات في المقام الأول، لكن إدارة باراك أوباما والأطراف الآخرين في الاتفاقية النووية المؤقتة مع إيران يقولون الآن على ما يبدو إنهم مستعدون لأن يُفرجوا لإيران عما يتراوح بين ثلث ونصف ترليون دولار على مدى السنوات الخمسة عشر التالية لا لكي تتخلى إيران عن برنامجها بل لتجمده، وبعبارة أخرى، نحن لسنا بصدد إعادة أصول إيران ومصادر دخلها مقابل قبول المعايير الدولية قبولاً دائماً ولا رجعة فيه، بل نحن بصدد دفع إيجار مقابل تقييد نشاط البلد النووي، حيث نعرض عليها إمكانية الاستفادة من مئات الملايين من الدولارات لكي يكون تطوير أي برنامج نووي مستقبلي مشكلة الرئيس الأمريكي التالي أو الذي يليه لا مشكلة الرئيس الحالي".

أصول خارجية ومكاسب نسبية
وأضاف الكاتب: "ليس واضحاً بالضبط كم ستجني إيران فعلاً من وراء تخفيف العقوبات، لكن استناداً إلى تقدير أن الأصول الخارجية (التي سيتم الإفراج عنها على الراجح) سيزيد مجموعها على 120 مليار دولار، وإلى التقدير المعقول بالقدر نفسه بأن إيران ربما تكسب ما يزيد على 20 مليار دولار سنوياً على هيئة إيرادات نفطية، يكون لدينا اتفاقية مدتها 15 سنة ستسفر عن مكسب نسبي يبلغ 420 مليار دولار".

وتابع الكاتب بقوله: "لكي نضع هذا المبلغ في نصابه نقول إن الناتج المحلي الإجمالي الإيراني في عام 2013 بلغ نحو 370 مليار دولار، أو بإمكاننا أن نقول أن دولة سوريا التابعة لإيران حققت ناتجاً محليّاً إجماليّاً يبلغ نحو 65 مليار دولار في عام 2011 قبل أن تحتدم الأزمة هناك وتسفر عن تدمير البلد، كما يبلغ الناتج المحلي الإجمالي لتابعها المستقبلي، وهو اليمن، زهاء 36 مليار دولار، إذن فالمبالغ التي نحن بصددها من شأنها أن تعطي إيران الوسيلة لا لإيقاف اقتصادها الواهن على قدميه فسحب، بل أيضا لتوسيع رقعة نفوذها، وشراء الأسلحة، وتقديم الدعم للجماعات الإرهابية بشكل أكبر حتى مما كانت تفعله طوال الفترة التي كانت تشعر فيها بضائقة العقوبات".

المقابل المادي لإنهاء البرنامج النووي
ويشير التقرير إلى أنه لن يجادل إلا قليلون في مسألة أن سيكون من حق إيران استعادة الأموال والمكانة الاقتصادية الطبيعية إذا أنهت برنامجها النووي، ولو فعلت ذلك، فلا شك أن برنامج العقوبات سيُعتبر ناجحاً، لكن السؤال الذي يواجه العالم الآن، بحسب الكاتب، هو: هل ينبغي أيضاً أن يكون لإيران حق في التطبيع الاقتصادي والنعمة التي سينطوي عليها ذلك مقابل مجرد تعليق برنامجها لفترة زمنية معينة؟ إن صفقة كهذه، وفي هذا السياق، ترسي معياراً جديداً، فالرسالة الأساسية التي تبعث بها هذه الصفقة عمليّاً تقول إن الولايات المتحدة والقوى الكبرى الأخرى لن تفرض عقوبات إلا على البلدان التي تقترب قرباً شديداً جدّاً من امتلاك أسلحة نووية، ولنقلْ مثلاً أن يكون ما بينها وبين صنع الأسلحة أقل من عام، لكن ما دامت تلك برامج الأسلحة النووية الخاصة بتلك البلدان تظل في الحالة التي نريد أن نجمّد البرنامج الإيراني عليها، تظل تلك البلدان حرة في ممارسة أنشطتها العادية وتسيير عجلة اقتصاداتها بطرق تمكنّها من تمويل تلك البرامج تمويلاً أفضل في المستقبل.

ما يزيد هذه المشكلة تعقيداً، برأي الكاتب، هو حقيقة أن جيران إيران لا ينظرون إلى برنامج إيران النووي باعتباره التهديد الرئيس الذي تشكله البلد، حيث ينظر هؤلاء إلى الحملة الممنهجة من التدخل في الشؤون الإقليمية وزعزعة الاستقرار وتوسيع النفوذ الإيراني والتي دامت 35 سنة باعتبارها قضية أكبر، وإعادة التدفقات النقدية والموجودات إلى إيران، بالإضافة إلى إعطاء البلد مكانة دولية أكبر، يفاقم ذلك التهديد بلا أدنى شك؛ إذ يعطي طهران المال الكافي لمواصلة تقديم الدعم للإرهابيين من أمثال حزب الله وحماس، ودعم الدكتاتوريين من أمثال السوري بشار الأسد، وشراء نفوذ أكبر وأوسع في أماكن مثل العراق واليمن.

عواقب استراتيجية إيران الإقليمية
وأوضح الكاتب أن عواقب استراتيجية إيران الإقليمية كانت ظاهرة للعيان هذا الأسبوع في واشنطن عندما تكلم رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، بكلام يعبّر في جوهره عن المنظور الإيراني في معرِض تناوله الصراع الدائر في اليمن، حيث اتخذ العبادي موقفاً معارضاً للتدخل السعودي الرامي إلى وقف الحوثيين المدعومين إيرانيّاً، وقال ما فحواه إن الدور الإيراني في اليمن مبالغ فيه، بل وتمادى فقال ما يوحي بأن أوباما أخبره أنه ليس مؤيداً للحملة السعودية، وسارع البيت الأبيض فوراً إلى إنكار هذا الاتهام الأخير، لكنه لم يكن يقيناً راضياً عن بقية التصريح الذي جاء على لسان زعيم بلد أنفقت الولايات المتحدة مئات المليارات من الدولارات على "تحريره".

والحقيقة أنه من واقع الحديث مع الزعماء العرب الآخرين، والكلام للكاتب، يتضح قطعاً أنهم اليوم لا ينظرون إلى الحكومة المنصَّبة في بغداد كحليف بل كخصم. وعلى الرغم الصراع المرير والدموي الذي دام عقوداً من الزمن، فإنهم يرون هذا الخصم باعتباره الآن أقرب إلى إيران منه إلى الولايات المتحدة أو أي دولة أخرى من دول الجوار.

ويضيف التقرير: "قل ما تشاء عن قدرة القومية العراقية على إزالة آثار هذه النفعية السياسية أو التغلب عليها على المدى الطويل، لكن في وقتنا هذا يمثّل قرب الحكومة العراقية الراهن من طهران انعطافاً ملحوظاً في مسار الأحداث، وهذه التغيرات إدانة شديدة لسياسيات لا رئيس أمريكي واحد بل رئيسين أمريكيين متعاقبين".

وهذا مثال آخر يبيّن ما يجعل التركيز على الاتفاقية النووية الشاملة مع إيران، من دون التصدي في الوقت نفسه لتهديد إيران الإقليمي، خطأ فادحاً، ويُعتبر تغيير البيت الأبيض موقفه أخيراً فيما يخص مصر، وذلك باستئنافه مبيعات الأسلحة لذلك البلد، خطوة إيجابية للتصدي لهذا التهديد، وفقاً للكاتب، وكذلك أيضاً الدعوة إلى عقد اجتماع لبلدان مجلس التعاون الخليجي الشهر المقبل لمناقشة مصالح أمريكا المشتركة مع تلك البلدان.

محادثات ما وراء الكواليس
وتشير المحادثات المبكرة التي جرت وراء الكواليس تحضيراً لهذا الاجتماع الذي سيُعقد في كامب ديفيد في غضون بضعة أسابيع من الآن إلى الجهود التي تجري على قدم وساق لصياغة ما يشبه ميثاق دفاع يقف في وجه الحملات الإيرانية لكسب النفوذ في المنطقة ويوفر الأمن في أعقاب بعض التغيير بالطبع، وذلك تحسباً لاحتمال إقدام إيران على خرق الاتفاقية النووي، لكن هناك اختلافات في الرأي داخل مجلس التعاون الخليجي بشأن ما قد تسعى البلدان كل على حدة إلى تحقيقه من وراء هذه المحادثات، ولا شك أنه سيكون هناك إحجام داخل البيض الأبيض عن اتخاذ أية خطوة، سواءً تُلزم الولايات المتحدة بالعمل في أي ظروف عدا القصوى منها أو يعتبرها الإيرانيون تهديداً كبيراً إلى درجة تُفسد خطط التقارب التي ظل الرئيس يسعى إلى تحقيقها.

وهذه النقطة الأخيرة مهمة بوجه خاص، براي الكاتب، فكما أثارت الانتقادات القائلة بأن الولايات المتحدة بعثت برسالة تفيد بأنها متلهفة أكثر مما ينبغي على إبرام صفقة مع إيران شكوكاً حول ما إذا كانت الاتفاقية الموقتة هي أفضل ما يمكن التوصل إليه من عدمه، ينبغي كذلك أيضاً أن تثير رغبة الرئيس وفريقه في تصوير الاتفاقية على أنها نجاح قلق مَن لا يشعرون بالارتياح حيال ما إذا كانت عملية إنفاذ بنود الاتفاقية ستكون صارمة بدرجة كافية أو ما إذا كان الموقف ضد الانتهاكات الإيرانية الأخرى سيكون قويّاً بما يكفي.

تأييد واعتراض
واعتبر الكاتب أن تخفيف العقوبات الإيرانية استجابة ملائمة لإنهاء التهديد النووي الإيراني إنهاءً فعليّاً، أما الرفع التام للعقوبات فهو ليس بالاستجابة الصحيحة مقابل مجرد تعليق البرنامج؛ إذ أن هذا لا يبعث برسالة خاطئة إلى إيران والبلدان التي تفكر في تطوير برامج كهذه فحسب، بل يقوّي أيضا نفوذ إيران، وبإعادة روابطها الاقتصادية والسياسية مع العالم أجمع سيصعّب بشكل شبه مؤكد مسألة إعادة فرض العقوبات إذا دعت الضرورة إلى ذلك في المستقبل.

وقال الكاتب: "ينبغي علينا، كما نوّهت في عمودي الأخير، أن نكف عن استخدام عبارة "إعادة العقوبات كما كانت"؛ فهذا محض خيال، زد على ذلك أن هدف المفاوضات كان في الأصل القضاء على تهديد الانتشار النووي الإقليمي"، مشيراً إلى أن تخفيف العقوبات كان سيكون مبرَّراً يقيناً لو أسفرت النتيجة النهائية للمفاوضات عن ذلك، لكن الاتفاقية الشاملة لا تقضي على هذا التهديد، كما أن ترك إيران على مبعد سنة واحدة من صُنع سلاح نووي يبعث برسالة إلى كل خصم محتمل لا يملك مثل هذا السلاح، مفادها أن هذا هو بالضبط الموضع الذي يجب أن يكون فيه، أي على مبعدة سنة من امتلاك سلاح نووي.

الاتفاقية ليست ترياقاً لمنع الانتشار النووي
بعبارة أخرى، يقول الكاتب، إن هذه الاتفاقية ليست ترياقاً لمنع الانتشار النووي، بل هي خارطة طريق ودافع إلى اتساع رقعة شبه الانتشار النووي، وبالتالي يمكنها في واقع الأمر أن تزيد من خطر الانتشار النووي، وإذا لم يكن التهديد النووي أكبر تهديد تشكّله إيران، فمن الخطورة البالغة إذن أن نثمّن الحفاظ على الاتفاقية النووية والاحتفاء بها تثميناً كبيراً لدرجة ألا نتخذ الخطوات الملائمة لإضعاف التهديدات الإقليمية الأكبر التي يشكلها قادة طهران، وهم الذين يغتنمون كل فرصة لتذكيرنا بأن أيديولوجيتهم وطموحاتهم الإقليمية لا تظهر أية أمارة تغيير.

وتساءل الكاتب: هل يتسنى تلافي هذه العيوب في المراحل الأخيرة من المفاوضات بشأن الاتفاق النووي الشامل؟ وأجاب بقوله: نعم يتسنى هذا إلى درجة ما، وفي المقابل يمكن تعويض ما لا يتسنى تلافيه بتفصيل سياسات أوسع تفصيلاً واضحاً، على أن تساندها أعمال واضحة كتلك التي يمكن أن تتمخض عنها قمة مجلس التعاون الخليجي، كميثاق دفاع ينطوي على التزامات ذات معنى من جانب الولايات المتحدة من شأنها أن تبعث برسالة تدل على العزيمة والوضوح الاستراتيجي.

ورأى الكاتب أنه "ما زال ممكناً لهذه الاتفاقية النووية الشاملة أن تكون الانتصار الكبير الذي تريده لها إدارة أوباما وشركاؤنا الدوليون، لكن لن يحدث هذا قبل أن نعترف أولاً بأن المخاطر التي تظل مسكوتاً عنها في الترتيب الحالي والمخاطر التي ربما تتفاقم فعلاً كانت مواطن ضعف رئيسة في البنود المقترحة، لكونها ظلت مسكوتاً عنها أو تم تناولها دون قدر كاف من الحسم".
  
وأضاف: "بعبارة أخرى، نقول إن الشهور الفاصلة بيننا الآن والوقت الذي يتم التوصل فيه إلى الاتفاق الشامل النهائي سيكون حيويّاً في تقرير ما إذا كان الاتفاق الشامل المقترح يجعل بالفعل المنطقة أكثر أمناً، أم ما إذا كان سيُنظر إليه في المستقبل باعتباره محاولة إيرانية ناجحة لابتزاز 300 مليار دولار مكّنتها من توسيع نفوذها وجلب مزيد من عدم الاستقرار إلى منطقة يقال بالفعل إنها الأشد خطراً في العالم".