السبت 25 أبريل 2015 / 00:38

الذين قتلوا الأبنودي



في أحد الأيام أجريت حواراً مع عبدالرحمن الأبنودي نشر في "المصري اليوم" وكان يهاجم فيه النظام الأسبق، وفي اليوم التالي كتب الراحل مجدي مهنا مقاله في نفس الجريدة ضد الأبنودي لأنه استثنى بعض الشخصيات في هجومه. كان مجدي مهنى يريد هجوماً نووياً لا يبقي ولا يذر، والأبنودي شن هجومه بالكلاشينكوف، وفي اليوم التالي أيقظني الأبنودي من النوم، ولم يعبأ بصوتي الناعس، وقال لي: "قريت الكلام الخيبان بتاع الواد مجدي، أنا مقدرش أعيش من غير واحد ولا اتنين بيهاجموني".

ولكنه بعد أقل من أسبوع عاد ليحدثني مرة أخرى ليقول: "أنا أحترم مجدي، بس هو محبكها شويتين". أراد فقط، وهو يعلم مدى محبتي لمهنا، أن يعتذر بطريقته، وأن يؤكد أيضاً على أنه يحترمه، ومن يعرف الأبنودي جيداً يعلم أنه لا يتحرك بسهولة، ولا يعتذر. صارم وقوي. لا يخشى شيئاً في الحق. ومن يغضب منه يرفع سماعة الهاتف ليقول له بوضوح ما يدور في ذهنه. بالأدق ما يحمله في قلبه. كان الهجوم لا يتوقف ضده منذ فترة، بسبب موقفه السياسي، وكان يغضب طبعاً، صحيح أنه ليس من رواد مواقع التواصل الاجتماعي لكن تلك المعارك كانت تنتقل إلى الجرائد، وكانت تصل إليه بشكل ما، وكان يحزن، وفي لحظة تشعر فعلاً أنه ارتد طفلاً غير مدرك لنفس كلماته "أنا مقدرش أعيش من غير واحد ولا اتنين بيهاجموني". على العكس، كان الأبنودي يحزن جداً لمجرد أنه يعرف أن شخصاً ما يكرهه بسبب موقفه السياسي، ونحن تحولنا ببساطة إلى قتلة. لدينا استعداد لنقتل بعضنا لمجرد الخلاف، ولا فارق بين شخص لا تعرفه وصديق عمرك. لو أدرت ظهرك سيمطرك بالرصاص.

كان يحزن، ولكنه يواجه. أحد أصدقائه. بدأ ينشر في محيط الأصدقاء أن الأبنودي يتمارض ليصنع حول نفسه ضجة، وليبقي الأضواء حوله أطول وقت ممكن"، وكان على هذا الشخص أن يعلم أن الصعيدي لا يتمارض أبداً، وقد أثبت له الأبنودي الآن هذه الحقيقة، لأن النوبة الأخيرة أجهزت عليه. وصل الكلام إلى مسامعه فرفع سماعة الهاتف قائلاً له: "يا فلان.. بتقول إني بمثل. تحب أبعتلك شهادات الدكاترة؟!".

كان حاداً مثل مشرط. كنت أتواصل معه، ومنذ فترة ليست بعيدة هاتفته وقلت له: "ماذا تقول لفلان بمناسبة حصوله على الجائزة؟"، وقال لي كأنما يقول شيئاً عادياً: "أقول له انت ماتستاهلهاش"، وأنا من جبن عن نشر ما قاله، وقلت له ذلك في التليفون، فرد: "شوف براحتك، انت سألتني عايز تنشر انشر"، وقلت له "لا. شكراً"، فضحك. كان الأبنودي مثلنا. مزيج من الطيبة والشر. بالتأكيد لم يكن موفقاً في كل مواقفه وقراراته. بالتأكيد كان يبحث عن مصالحه. ألسنا نبحث عن مصالحنا؟ لم يقل، يوماً، إنه موحى إليه. كان واضحاً في مواقفه، ولم يطلب من أحد أن يتبناها، ولكن العادي حينما نختلف يمكننا أن نشكك في كل شيء. لم أكن أندهش حينما أقرأ من يقول إنه ليس شاعراً وإن مشروعه انتهى منذ زمن طويل. عليك أن تنظر إلى من يقول هذا الرأي. من هو؟ ما إنتاجه؟ لا أستطيع الحكم حتى لا أتحول إلى شبيه له، إنه يستطيع أن يعبر وأن يقول رأيه، وأن يجد من يصفق له، في توقيت لم تعد فيه معايير، ولكننا بحاجة فعلاً إلى التريث، قبل أن نحول الخلاف إلى حرب أهلية.