الأحد 26 أبريل 2015 / 17:23

من أين أتى ماركيز بقرية "ماكوندو"؟

24- إعداد: أحمد ضيف

ذات يوم، أطل الطفل غابرييل غارسيا ماركيز من نافذة قطار أصفر لا يتوقف عن إطلاق ثعابين من الدخان في كل نفثة، فقرأ عند مدخل في لافتة معدنية زرقاء كلمة مكتوبة بحرف بيضاء "ماكوندو"، فاختبأت الكلمة في مكان ما داخل ذاكرته.

لم تولد ماكوندو، بحسب الناقد إنريكي سابوغال بجريدة الباييس الإسبانية، في اليوم الذي نعتقد أنها ولدت فيه، إذ ظهرت ماكوندو على 7 مراحل تأسيسية، ثلاث لها علاقة بهذه الأرض الخيالية كمكان للأحداث في كتبه، واثنان أشار إليها المؤلف في أعماله المنشورة، واثنان يأتيان من معايشته للمكان الأسطوري، وحتى للوصول لجذور القرية علينا العودة للواقع.

في العالم الخيالي، ولدت ماكوندو برواية "مائة عام من العزلة" عام 1967: "بعد سنوات طويلة، وأمام فصيلة الإعدام، ربما يتذكر الكولونيل أوريليانو بوينديا تلك الأمسية البعيدة التي اصطحبه فيها أبوه ليتعرف على الثلج، كانت ماكوندو حينها محض قرية من عشرين بيتاً من الطين والقصب، مشيدة على ضفة نهر مياهه صافية...".

لكنها ولدت أيضاً قبل ذلك في قصة "مونولوج إيزابيل وهي تشاهد المطر في ماكوندو" عام 1955، كما ظهرت في قصة "يوم بعد يوم السبت" عام 1954، وفازت بجائزة الدولة في القصة.

الواقع أن ماركيز استخدم لأول مرة كلمة ماكوندو ما بين عام 1948و1949، عندما كتب ما كان يجب أن تكون روايته الأولى "الورق الجاف" المنشورة عام 1955.

غير أن الفكرة تبلورت عندما راح، بصحبة أمه لويسا سانتياغا ماركيز، ليبيع بيت أجداده الذي عاش فيه سنواته الأولى.

في هذا اللقاء التقى مجدداً بالعالم الذي كان يريد كتابته فتجسد أمامه، وفي كتابه "عشت لأروي" عام 2002، استحضر هذه الرحلة.

استخدم ماركيز هذا الحدث أيضاً عام 1962، في قصة "قيلولة يوم الثلاثاء"، ممزوجاً بحدث صدمه كطفل: "موت لص على يد صاحبة البيت والزيارة التي قام بها أم الميت وأخته الصغيرة لوضع زهور على قبره، بعد رحلة طويلة بالقطار بين أشجار الموز وقرى بلا اسم حتى حلت ساعة القيلولة.

الحقيقة أنهم باعوا هذا البيت الذي ولدت فيه ماكوندو الحقيقية، وفي مائة عام من العزلة ظهر الواقع الجغرافي والتاريخي لأراكاتاكا ولمكانها الأسطوري، الطريق الوحيد المؤدي لأراكاتاكا من بارانكيا هو طريق رحلته مع أمه منذ 50 عاماً.