الإثنين 27 أبريل 2015 / 19:20

عن بعض مرجعيات الدواعش ومصادرهم..!!



لظاهرة داعش والدواعش مرجعيات ومصادر مختلفة. وقد ألقى تحقيق نشرته مجلة دير شبيغل، مؤخراً، مزيداً من الضوء على مرجعيات ومصادر تنتمي إلى نظام صدّام البعثي في العراق. صحيح أن تلك العلاقة كانت متداولة في قراءات مختلفة حاولت تفسير الظاهرة، وصعودها المفاجئ، في الساحتين العراقية والسورية، ولكن تحقيق المجلة الألمانية، وما نشرته من وثائق، يعزز القراءات المعنية بدلائل جديدة.

وأهم ما كشفته دير شبيغل يتمثل في سيرة عقيد سابق في مخابرات صدّام حسين، أصبح العقل الأمني لداعش، وبهذه الصفة وضع هيكليتها التنظيمية والأمنية، ورسم الملامح الرئيسة لاستراتيجية تستهدف إيجاد موطئ قدم في سوريا، والانطلاق منها لغزو العراق.

وإذا شئنا اختزال السلاح الرئيس، والأهم، في تلك الاستراتيجية، كما تصوّره صاحبها، في كلمة واحدة، فلنقل إنه: الخوف. المفردة التي تمثل جسراً للتلاقي، وحلقة الوصل، بين الدواعش، والبعثيين الصداميين. من الخطأ القول إن الأوائل تعلموا توظيف سلاح الخوف على يد البعثيين الصداميين، ومع ذلك لا ينبغي التقليل من دور الأواخر في الإسهام بخبرات تنظيمية و"مهنية" راكمتها أجهزة صدّام الأمنية على مدار عقود، حكمت فيها العراقيين بسلاح الخوف.

وفي هذا السياق، يمكن العثور حتى على حلقة للوصل بين مشهدية العنفين الداعشي والبعثي الصدّامي، على الرغم من تفوّق الدواعش، هذه الأيام، في إيصال المشهدية إلى حدود غير مسبوقة. ففي زمن الحرب العراقية ـ الإيرانية، مثلاً، استحدث صدّام حسين عقوبات لم تكن معروفة، أو مألوفة.

فقد أصبح لزاماً على عائلات جنود حُكموا بالإعدام، بدعوى فرارهم من الجبهة، تسديد ثمن الرصاصات التي قتلتهم. وفي السياق نفسه، حُكم على أشخاص بجدع الأنف، وصمل الأذن، وفقأ العين، ووشم الجبين، إضافة إلى عقوبات بتر الأطراف. وقد كان مشهد من طالتهم تلك العقوبات مألوفاً في زمن صدّام.

وعلى الرغم مما يُقال عن "علمانية" النظام البعثي الصدّامي، إلا أن "الحملة الإيمانية"، التي أطلقها صدّام في التسعينيات، خاصة بعد هزيمته في الكويت، كانت مقدمة لاعتناق الكثير من كوادر البعث، وضباطه، وأجهزته الأمنية، لأيديولوجيا الإسلام السياسي. لذلك، لم يكن تحوّلهم إلى دواعش، خاصة بعد سقوط النظام، وحل الجيش العراقي، وتحوّل الكثير من أفراده إلى عاطلين عن العمل، بالعسير، أو المؤلم، بالمعنى الأيديولوجي والسياسي.

ولهذا الأمر دلالات سوسيولوجية، أيضاً. فقد اختير كبار الضباط والمسؤولين في حزب البعث، والجيش الصدامي، والأجهزة الأمنية، استناداً إلى معايير، وتوازنات، وتُحيّزات عشائرية، وطائفية، وجهوية، أتقن النظام صنعها، وأغدق على مُكوّناتها المزايا والامتيازات، مقابل الولاء المطلق، لتكون قاعدته الاجتماعية، ودرعه الحامي.

لذلك، لم يكن تبّدل الولاءات في حالات كثيرة فردياً، بعد سقوط النظام، بل تجلى بطريقة جماعية عززتها التركيبة السياسية، وسياسات تصفية الحساب، والتحيّزات الطائفية، في عراق ما بعد صدّام والبعث، وهذه التحوّلات كلها وفرت للدواعش بيئة حاضنة، وأوصلت المجتمع العراقي إلى هاوية الحرب الأهلية.

أخيراً، في تقرير دير شبيغل عن العقيد السابق في مخابرات صدّام، الذي نقل خبراته الأمنية و"المهنية" إلى الدواعش، بعدما أصبح من عقولهم الأمنية والاستراتيجية، ما يشير إلى علاقة بين المذكور وأجهزة آل الأسد الأمنية في سوريا. نشأت تلك العلاقة، حسب التقرير، في سياق مقاومة الاحتلال الأميركي للعراق، ومن المُرجّح أنها استمرت بعد انسحاب الأميركيين، أما الحلقة الضائعة فتتمثل في العلاقة بين أجهزة آل الأسد الأمنية، وجماعات القاعدة والدواعش الإرهابية، التي ظهرت في سورية، وبشكل مفاجئ، أيضاً، بعد اندلاع الثورة السورية.

هل استفادت أجهزة آل الأسد الأمنية من علاقاتها السابقة بجماعات إرهابية في العراق، وسهّلت انتقالها إلى سوريا، لتشويه المضمون الاجتماعي والسياسي للثورة السورية، وتلطيخ سمعة المعارضين السوريين، وإثبات أن النظام لا يجابه معارضة شعبية بل جماعات إرهابية؟

في أوساط المعارضة السورية مَنْ يتبنى هذا التفسير، وفي سلوك النظام نفسه إزاء جماعات القاعدة وداعش، وفي سلوك هذه وتلك إزاء المعارضة الوطنية السورية، ما يبرر الارتياب. وفي الأثناء، يُضاف تقرير دير شبيغل إلى قائمة من الشواهد عن صلة قديمة بين نظام آل الأسد وأحد صنّاع استراتيجية الدواعش، وعقولهم الأمنية. وفي الأثناء، أيضاً، نعثر على دلائل إضافية عن مرجعيات ومصادر بعثية أسدية وصدّامية في العراق وسوريا على حد سواء.