الإثنين 11 مايو 2015 / 19:56

السراب| دارسة ميدانية: مستقبل الجماعات السياسية وتجربتها بالحكم

أصدر مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية الدكتور جمال سند السويدي، مؤخراً كتاب "السراب"، وتتمحور فكرته الأساسية حول "السراب السياسي" الذي يترتب على الوهم الذي تسوقه الجماعات الدينية السياسية لشعوب العالمين العربي والإسلامي.

المستقبل السياسـي للجماعات الدينية السياسية مرهون بقدرتها على التكيف مع الأطر السياسية الحديثة

أظهرت النتائج عدم وجود معرفة كبيرة لدى المستطلعة آراؤهم بالجماعات الدينية السياسية بصفة عامة، وسُجلت أعلى معدلات المعرفة لديهم بجماعة الإخوان المسلمين، ثم السلفيين، والتنظيمات الجهادية

يكشف الكتاب، عبر فصوله السبعة، حجم التضارب القائم بين فكر الجماعات الدينية السياسية وواقع التطور الحاصل في النظم السياسية والدولية المعاصرة، خاصة فيما يتعلق بمسألة التنافر بين واقع الأوطان والدول وسيادتها القانونية والدولية من ناحية، ومفهوم الخلافة الذي تتبناه هذه الجماعات من ناحية ثانية، كما يكشف هذا الكتاب علاقة الترابط الفكرية القائمة بين جماعة الإخوان المسلمين والتنظيمات المتطرفة التي ولدت في مجملها من رحم هذه الجماعة، وفي مقدمتها القاعدة وداعش.

24 ينفرد بنشر كتاب "السراب" على حلقات:

الحلقة 37

الباب الثالث: الدراسة الميدانية
الفصل السابع| اتجاهات الرأي العام حول الجماعات الدينية السياسية

المحور السادس: الأسباب التي ساعدت بعض الأحزاب السياسية الدينية على الوصول إلى الحكم، وتقييم تجربتهم في الحكم، والرؤية المستقبلية لها



يعتقد 53.9% من أفراد العينة أن فساد الحكومات السابقة كان أحد الأسباب التي ساعدت بعض الأحزاب السياسية الدينية على الوصول إلى الحكم في بعض البلدان العربية، فيما يرجع 47.9% ذلك إلى سوء الوضع الاقتصادي في هذه البلدان. ويرى 29.1% أن فراغ الساحة السياسية من قوى سياسية أخرى منظمة كان أحد هذه الأسباب، وهناك 27.7% من أفراد العينة يعتقدون أن قدرة هذه الجماعات على الحشد والإقناع والتأثير في الجمهور كانت سبباً في وصولها للحكم في بعض البلدان العربية. وكانت الهوة الكبيرة بين الأغنياء والفقراء هي السبب وفقاً لما يراه ربع أفراد العينة تقريباً (24.9%)، والأنظمة التسلطية هي السبب من وجهة نظر 19.2%. ويرى 12.6% أن وصول بعض الأحزاب السياسية الدينية إلى الحكم في بعض الدول العربية والإسلامية يعود إلى ارتفاع نسبة التدين بين الجمهور، فيما يعتقد 9.3% أن السبب هو وجود أنظمة الحكم العسكرية في هذه الدول.




وبعد وصول أحزاب سياسية دينية إلى الحكم في بعض البلدان العربية، مثل جمهورية مصـر العربية والجمهورية التونسية، كان من الطبيعي سؤال المستطلعة آراؤهم عن تقييمهم لتجربتها في الحكم. وترى نسبة ضئيلة جداً (5.9%) أن تجربتهم ناجحة، فيما يرى نحو ثلثي أفراد العينة (67.6) أنها تجربة فاشلة. وأفادت نسبة لا يُستهان بها، تمثل نحو ربع أفراد العينة تقريباً (26.6%) بأن تجربة هذه الجماعات والأحزاب السياسية الدينية في الحكم لم تأخذ الوقت الكافي للنضج، وبالتالي لا يمكن الحكم عليها بالنجاح أو الفشل، وفي استطلاع للرأي العام المصـري أجراه المركز المصـري لبحوث الرأي العام "بصيرة"، في أغسطس 2013م، حول تقييم المصـريين لجماعة الإخوان المسلمين، أظهرت النتائج أن 69% من المصـريين يرفضون استمرار جماعة الإخوان المسلمين في الحياة السياسية المصـرية، في حين وافق 6% فقط على استمرارها، ووافق 13% على استمرارها ولكن بشـروط معينة، كأن تكون جماعة دعوية ولا تعمل بالسياسة، وأن تبتعد عن العنف وتقوم بمراجعات لمواقفها، وأعرب 12% عن أنهم لم يحددوا موقفهم بعد. كما أبدى 78% من أفراد العينة أنهم وجدوا حكم الإخوان المسلمين أسوأ مما كانوا يتوقعون، في حين رأى 3% أنه كان أفضل من المتوقع، وذكر 12% أن حكم الإخوان جاء كما توقعوا، وذكر 7% أنهم لا يستطيعون تقييم حكم الإخوان.

وبسؤال المصـريين عن أحداث العنف التي صاحبت فض اعتصامات منطقتي رابعة العدوية والنهضة وتلته، حمل 57% من أفراد العينة جماعة الإخوان المسلمين المسؤولية الكاملة عن كل تلك الأحداث، ويرى 29% أن جماعة الإخوان المسلمين مسؤولة بشكل جزئي عن هذه الأحداث، ونسبة ضئيلة (5%) ترى أن الجماعة غير مسؤولة عن أي أحداث عنف، والنسبة الباقية (6%) لم تستطع تحديد المسؤول عن العنف في تلك الأحـداث.

وأظهر استطلاع أجراه "مركز بيو للبحوث" الأمريكي حول توجهات الرأي العام في جمهورية مصـر العربية نشـرت نتائجه في مايو 2014م، تراجعاً كبيراً في شعبية جماعة الإخوان المسلمين؛ حيث انخفضت نسبة من يحملون نظرة إيجابية إلى الجماعة من 63% في الاستطلاع الذي أجراه المركز عام 2013م إلى 38% فقط في الاستطلاع الأخير.





وبسؤال المستطلعة آراؤهم عن مستقبل الجماعات الدينية السياسية، قال 89.5% منهم إنه ليس لها مستقبل سياسـي، فيما ترى النسبة الباقية (10.5%) أن لها مستقبلاً سياسياً. وفي استطلاع أجراه المركز المصـري لبحوث الرأي العام "بصيرة" في أكتوبر 2013م، حول عودة الإخوان المسلمين إلى الحياة السياسية، أكد 70% من أفراد العينة رفضهم عودة جماعة الإخوان المسلمين إلى الحياة السياسية، بينما وافق 19% على عودتهم إلى الحياة السياسية، وأجاب 11% بأنهم لا يستطيعون تحديد موقفهم من هذا الأمر.

وفيما يتعلق بمشاركة الأحزاب ذات المرجعية الدينية بصفة عامة في الانتخابات البرلمانية المقبلة في جمهورية مصـر العربية، وافق 42% من أفراد العينة على مشاركة هذه الأحزاب ذات المرجعية الدينية في الانتخابات، ورفضت نسبة مساوية هذه المشاركة، وأجاب 16% بأنهم لا يستطيعون تحديد موقفهم.


ويبقى مستقبل الجماعات الدينية السياسية مرهوناً بمدى قدرتها على التكيف والتلاؤم مع الأطر السياسية الحديثة، والخروج من القوالب الجامدة، والاندماج في العمل السياسـي دون التدثر بعباءة الدين لتحقيق مكاسب سياسية ومطامع شخصية.

خلاصـة
خلصت الدراسة الميدانية في هذا الفصل إلى نتائج عدة مهمة؛ حيث رأى المستطلعة آراؤهم أن الوضع الاقتصادي في معظم دول العالَمين العربي والإسلامي، بما يشمله من فقر وبطالة وفساد وغلاء، يتصدر أهم التحديات التي تواجه هذه الدول، تلاه تحقيق الاستقرار والأمن، ثم محاربة التطرف الديني، والفساد المالي والإداري. وهذه النتائج تتسق مع نتائج استطلاع الباروميتر العربي الذي أجري في 11 دولة عربية.

 وقد قيَّمت الغالبية العظمى من المستطلعة آراؤهم الأحداث والتغيرات التي شهدتها المنطقة العربية خلال السنوات الثلاث الماضية تقييماً سلبياً.

 وأظهرت النتائج ارتفاع درجة ثقة المستطلعة آراؤهم بالمؤسسات الرسمية بشكل كبير، أما الجماعات الدينية السياسية فتفتقر إلى ثقة المستطلعة آراؤهم بها. وبرغم أن أغلب أفراد العينة يعتبرون أنفسهم متدينين، فإنهم يرون أنه يجب ألا يكون لرجال الدين نفوذ على قرارات الحكومة، كما يؤيدون فصل الدين عن الحياة السياسية. والغالبية العظمى منهم ترى وجوب صياغة القوانين بحسب رغبات الشعوب في بعض المجالات، وبحسب الشـريعة الإسلامية في مجالات أخرى. وقد جاء نظام حكم الجماعات الدينية السياسية في ذيل قائمة تفضيلات المستطلعة آراؤهم للنظم السياسية المختلفة للحكم.

وقد أظهرت النتائج عدم وجود معرفة كبيرة لدى المستطلعة آراؤهم بالجماعات الدينية السياسية بصفة عامة، وسُجلت أعلى معدلات المعرفة لديهم بجماعة الإخوان المسلمين، ثم السلفيين، والتنظيمات الجهادية.

وتوضح نتائج الدراسة الميدانية أيضاً أن الجماعات الدينية السياسية لم تستوعب أولويات مجتمعاتها، كما لم تفطن إلى مغزى التدين الفطري الذي تتسم به هذه المجتمعات، وأنه لا يعني بالتبعية ميلاً إلى بناء نموذج ديني في الحكم، حيث تشير نتائج الدراسة إلى مفارقات ينبغي الانتباه إلى دلالاتها وأبعادها. ومن باب المفارقة أن هذه الأولويات لم تحظ بالأهمية ذاتها ضمن أجندة الجماعات الدينية السياسية التي تولت الحكم في دول عربية وإسلامية عدة في السنوات الأخيرة، حيث سبقت هذه الأولويات المجتمعية قضايا واهتمامات لا علاقة لها بحياة الشعوب ومعاناتها، مثل محاولة السيطرة على هياكل الدولة ومؤسساتها واحتكار السلطة والتمدد السياسـي والاجتماعي، وغير ذلك من ممارسات استبدادية.

وهذه النتائج تتفق تماماً مع ما رصده مشـروع الباروميتر العربي وتؤكده، ولاسيما فيما يتعلق بالتراجع الملحوظ في شعبية الجماعات الدينية السياسية، وإدراك غالبية الشعوب العربية والإسلامية حقيقة هذه الجماعات وما ترمي إليه من مصالح سياسية وأهداف ذاتية لا علاقة لها تماماً بأهداف هذه الشعوب ومصالحها وتطلعاتها التنموية. حيث رأت غالبية العينة أن تجربة الجماعات الدينية السياسية في حكم بعض البلدان العربية كانت فاشلة، فيما ترى نسبة ضئيلة جداً أنها كانت تجربة ناجحة.

كما ترى الغالبية العظمى من أفراد العينة أن هذه الجماعات ليس لها مستقبل في الحكم أو في الحياة السياسية بعد وصول بعض الأحزاب السياسية الدينية إلى الحكم في بعض البلدان العربية، وبعد تقييم تجربة هذه الجماعات الدينية في الحكم، وما شهدته من إخفاق في ظل تجربة حكم الإخوان المسلمين في جمهورية مصـر العربية وعدم نجاح حركة النهضة في إدارة الوضع في الجمهورية التونسية. وهو ما يؤكد أن هذه الجماعات مغيبة تماماً عن الواقع الاجتماعي والسياسـي، ولا تدرك معطيات العصـر ومتطلباته، الأمر الذي جعل الشعوب تلفظها من حاضـرها ومستقبلها.