الأربعاء 20 مايو 2015 / 09:41

المعزول والجماعة والغرب

جلال نصار- الأهرام

تجددت الحملة الإعلامية الغربية على القضاء المصري عقب قرار محكمة الجنايات بإحالة الرئيس المعزول محمد مرسي وعدد من قيادات وأفراد جماعة الاخوان الإرهابية وأفراد تابعين لحركة حماس وحزب الله لمفتي الجمهورية تمهيداً للحكم عليهم في 2 يونيو المقبل، كما صدرت ردود فعل منددة وغاضبة من الرئيس التركي ورئيس وزرائه ومنظمات حقوقية في مقدمتها هيومن رايتس واتش وكذلك وزير الخارجية الألماني وغيرهم.

تزامنت ردود الأفعال تلك وتصاعدت متجاهلة اغتيال 4 من رجال القضاء المنتمين للنيابة العامة في مدينة العريش بمحافظة شمال سيناء على أيدى جماعة أنصار بيت المقدس التي بدأت بشن عملياتها الإرهابية في سيناء عقب فض اعتصامي رابعة العدوية وميدان النهضة في 14 أغسطس 2013م كما هاجمت عدداً من مقار المحاكم في محافظة المنوفية وتوعدت باستهداف كل القضاة ورجال النيابة لتقدم دليلاً جديداً على ارتباطها العضوي والتنظيمي بجماعة الإخوان المسلمين، وأن كل حمامات الدم التي سالت واستهدفت المواطنين ورجال الجيش والشرطة والقضاء والإعلام واستهداف المنشآت وأبراج الكهرباء والقطارات وكل التفجيرات ترتبط بكل خطوة يقوم فيها القضاء بإصدار أحكام أو تحرك من الدولة لتقويض أذرع الجماعة المالية، وتجفيف مصادر تمويلها ومحاصرة القادة الميدانيين المنتشرين في القرى والمحافظات كإجراء وقائي لمنع المزيد من العمليات الإرهابية التي يحركها ويعطى الأوامر لها قادة الجماعة خارج مصر الموجودون في الدوحة وأنقرة وبعض العواصم الغربية وتلك التي تتسرب من القيادات داخل السجون بطريقة أو بأخرى.

ردود الافعال في كل مرة لا تفرق بين القرار والحكم وبأن قرار الإحالة للمفتي ليس حكماً بل للمشورة بشأن حكم لم يصدر بعد كما حدث في أحكام المنيا التي صدر فيها قرار بإحالة ما يقرب من 1200 متهم للمفتي وعند إصدار الأحكام صدر بالإعدام على 35 متهماً بينهم ما يقرب من 28 هاربين كما تجاهلت أن الحكم لو صدر يعد حكم درجة أولى قابل للنقض وإعادة المحاكمة من جديد، والتي يتعرض حكمها أيضاً للنقض، ولكن الغرب واردوغان وتميم حاكم قطر يصرون على أن القضاء مسيس وأنه يعمل وفقاً لأهواء الحاكم، وهو تدخل سافر في الشأن الداخلي ودعوة صريحة لإباحة دماء القضاة على أيدي الإرهابيين.

ردود الأفعال الخارجية حتى الآن مازالت تتجاهل ثورة 30 يونيو التي خرج فيها ملايين المصريين واحتشدوا في الشوارع والميادين من شمال البلاد إلى جنوبها تطالب بعزل مرسي وإسقاط حكم الجماعة ومرشدها الأعلى محمد بديع ونائبه خيرت الشاطر اللذين كانا يحكمان البلاد فعلياً من خلف الكواليس بعد سلسلة من الممارسات الإقصائية لكل التيارات والأحزاب المدنية وشركاء ثورة 25 يناير وإصدار إعلان دستوري في نوفمبر 2012 يمنح مرسي صلاحيات إلهية وتكرس لحكم ديكتاتوري لشعب ذاق طعم الثورة على الديكتاتور وبعد أن حشد أنصاره في ميداني رابعة والنهضة متوعداً المطالبين بعزله من الحكم ومشيراً لأنصاره باستخدام الدم والعنف في سبيل الحفاظ على حكمه و"شرعيته"، مما عجل بتدخل الجيش منعاً لحرب أهلية تدور رحاها على أبواب قصر الاتحادية وفى كل ميادين مصر كما تدخل في 25 يناير 2011 لإجبار مبارك على التنحي استجابة لإرادة الجماهير التي كانت أقل عدداً مقارنة بأعدادهم في 30 يونيو.

ورغم إقرار الغرب بشرعية ثورة 25 يناير فإنه ناقض نفسه في التردد بالاعتراف بثورة 30 يونيو؛ ولم يدن أو يتدخل في محاكمة مبارك ورموز نظامه ولم يعلق على الأحكام في حين يتدخل في كل إجراء أو حكم يصدره نفس القضاء بحق رموز جماعة الاخوان المسلمين ودميتها محمد مرسي في تناقض لمبدأ مهم هو جوهر أي نظام ديمقراطي يجرم التعليق على أحكام وأعمال القضاء بالمدح أو بالذم أو التدخل في الشئون الداخلية لدولة أخرى عضو كامل العضوية والسيادة في الأمم المتحدة لها دستور شرعي ورئيس منتخب ديمقراطياً.

يبكى الغرب وتركيا وقطر ومن خلفهم واشنطن على انهيار تيار الإسلام السياسي الذى كان يعد لوراثة الحكم في بلدان الربيع العربي خلفاً للديكتاتوريات التي كانت تحكم: مبارك وبن على وصالح والأسد وغيرهم رغبة من الولايات المتحدة في أن تخرج تلك الشعوب من ديكتاتورية وفاشية الفرد إلى ديكتاتورية وفاشية رجال الدين والجماعات السلفية التي تعتمد منذ زمن على علاقات قوية معها بل أسهمت العديد من العواصم الغربية وفى مقدمتها لندن وواشنطن فى إيجاد بعضها ووفرت لها بعض العواصم الأخرى مثل برلين وفيينا مأوى للهاربين من جرائم الإرهاب تحت راية الحرية؛ وكانت تلك العواصم ترى في هذا التيار ضالتها التي تبحث عنها في ضبط إيقاع المنطقة والسيطرة على منابع الثروة فيها وصولا لاتفاق دائم مع إسرائيل يؤمن لها مستقبلا آمنا ويمنح المصوغ الأخلاقي والقانوني لإعلان إسرائيل دولة يهودية في مقابل وجود دول وولايات إسلامية "سنية وشيعية"؛ وقامت بتغذية الصراع السني الشيعي وإيجاد نموذج داعش الإرهابي في مقابل ما تروج له من نموذج للإسلام الوسطي المعتدل كي نقبل به على المدى القريب والبعيد بديلاً للتطرف والعنف الذي تمثله داعش وغيرها من جماعات العنف المسلحة وكأن المواطن العربي لا حق له في نموذج مختلف ينطلق به إلى عالم القرن الحادي والعشرين بعيداً عن تلك البدائل الإجبارية التي تضعها بين نماذج: محمد مرسي وأبو بكر البغدادي ورجب طيب اردوغان ولا تطرح أي بديل يحترم وطناً قام بثورتين.