مصرفي يعد العملات الإيرانية (أرشيف)
مصرفي يعد العملات الإيرانية (أرشيف)
الجمعة 22 مايو 2015 / 19:02

من صاحب السيطرة الحقيقية على اقتصاد إيران؟

24 - طارق عليان

على الرغم من أنه المعتاد أن ترد أسماء القطاع العام والمؤسسات الدينية التي تسيطر عليها الدولة وقوات الحرس الثوري المتنفذة باعتبارها أهم اللاعبين على ساحة الاقتصاد الإيراني، نبذ أستاذ علم الاجتماع في جامعة برنستون كيفين هاريس، التركيز المفرط على سيطرة كل من الحرس الثوري والمرشد الأعلى علي خامنئي على الاقتصاد بوصفه "تحليلاً عن طريق ترويج الشائعات وعلم عن طريق إشاعة الخوف".

إذ يزعم هاريس أن حملة الخصخصة الضخمة التي نفّذتها إيران على مدى العقد الماضي، وعلى الرغم من أنها لم تُقْص لا الحرس ولا خامنئي، ساعدت على صياغة مشهد أكثر تعقيداً المستفيد الرئيس منه هو "القطاع شبه الحكومي". ويؤكد هاريس أن "هذه الطبقة الاقتصادية الوسطى ليست واقعة تحت القبضة الحديدية لمؤسسة واحدة تتربع على القمة المهيمنة في البلد، ولا 10 مؤسسات، ولا حتى 50 مؤسسة". إن التحليل الواقعي لبورصة طهران والشركات المتداولة فيها، والكلام ما زال لهاريس، يمكنه أن يعطينا قراءة أدق لخريطة إيران الاقتصادية الجديدة.

البورصة توضح
وفي هذا السياق، أوضح زميل أقدم في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات إيمانويل أوتولينغي، وزميل مشارك في مركز العقوبات والتمويل غير المشروع الأمريكي سعيد قاسمي نجاد، في تحليل مشترك نشرته مجلة "ناشونال إنترست" أن هناك أسباب وجيهة تجعل بيانات بورصة إيران تعطينا نظرة ثاقبة على من يهيمن على الاقتصاد الإيراني. فقد باعت مؤسسة الخصخصة الإيرانية 55 في المائة من الأصول المملوكة للدولة في إيران من خلال البورصة في الفترة بين عامي 2005 و2014. وفي السنة الماضية وحدها، بيع ما قيمته 8.3 مليار دولار من هذه الأصول من خلال البورصة. نتيجة لذلك فإن البورصة اكتسبت مزيداً من الأهمية على مدى العقد المنصرم، على الرغم من أنها ما زالت بعيدة جدّاً عن كونها انعكاساً دقيقاً للاقتصاد الإيراني.

تبلغ القيمة السوقية لبورصة طهران حالياً 87 مليار دولار أو نحو 21.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لإيران في عام 2014. ووفقاً للبنك الدولي، فإن هذا الرقم أقل بكثير من نسبة رأس المال السوقي للشركات المدرجة في البورصة إلى الناتج المحلي الإجمالي فيما يخص الاقتصادات المتقدمة في مرحلة ما بعد الصناعة. ومع ذلك فهي تفتح لنا نافذة نطل منها على بلد مثل إيران يحتل المركز 136 على مؤشر مدركات الفساد الذي تعده منظمة الشفافية الدولية. فعلى النقيض من معظم القطاعات الأخرى من الاقتصاد الإيراني، تتسم البورصة بالشفافية من حيث المساهمين والقيمة السوقية والقوائم المالية. علاوة على ذلك، فإن كبرى الشركات، وكذلك أكثرها جاذبية من وجهة النظر الاستثمارية، في إيران مدرجة في البورصة.

نظراً لأن سائر قطاعات الاقتصاد عديمة الشفافية، فإن تقييم تأثير اللاعبين المهمين مثل الحرس الوطني أو المرشد الأعلى داخل البورصة يمكن أن يعطينا في أحسن الأحوال تقديراً متحفظاً؛ إذ أن مؤسساتهما تتمتع بسطوة أكبر في القطاعات الأقل شفافية في الاقتصاد الإيراني. وهاريس محق في قوله إن هذا التقييم يوفر الطريقة الأشد موثوقية لتقدير ورسم هيكل الملكية والسيطرة في الاقتصادي الإيراني.

ويتفق الباحثان مع طريقة هاريس، لكنهما يرفضان الاستنتاجات التي توصل إليها.

نفوذ الحرس الثوري
فعلى الرغم من صحة أن المرشد الأعلى أطلق في عام 2005 حملة خصخصة كبيرة فوّضت الحكومة ببيع معظم الصناعات المملوكة للدولة، فإن هذا البرنامج لم يحقق التمكين بمعنى الكلمة للقطاع الخاص الوليد في البلد. وكان أهم المستفيدين منه المؤسسات التي تهيمن عليها الدولة العميقة في الجمهورية الإسلامية، ومن ضمنها القوات المسلحة، وعلى وجه الخصوص الحرس الثوري وخامنئي. ويستطيع المرء أن يتكهن بمدى هيمنة المركز الاقتصادي لهذه الكيانات في الاقتصاد الإيراني. لكن لا شك في أن الحرس الثوري الإيراني، وبفضل هذه "الخصخصة"، اكتسب نفوذاً كبيراً على اقتصاد إيران ونظامها السياسي.

ما يسميه هاريس "القطاع شبه الحكومي" هو في قبضة إمبراطوريتي الأعمال التابعتين للمرشد الأعلى وللمؤسسات العسكرية، والتي يوجد أغلبها تحت سيطرة الحرس الثوري. وتعد حملة الخصخصة الإيرانية مثالاً نموذجيّاً على ما قاله الكاتب الإيطالي جوزيبي تومازي دي لامبيدوزا في روايته "الفهد": "يجب أن يتغير كل شيء كي يبقى كل شيء على ما هو عليه".

نحن نتناول تدخل المؤسسات العسكرية، التابعة للحرس الثوري والقوات المسلحة على السواء، في سوق الأسهم الإيرانية (بورصة طهران) منذ عام 2011. وتتركز غالبية الشركات الخاضعة للسيطرة العسكرية في القطاعات الاستراتيجية مثل النفط والتعدين والاتصالات والبتروكيماويات والسيارات والمصارف والإنشاء.

حتى شهر أبريل (نيسان) الماضي، كانت محفظة المؤسسات العسكرية تتألف من ست وعشرين شركة متداولة في البورصة بقيمة سوقية تبلغ 17.5 مليار دولار، أي نحو 20 في المائة من القيمة السوقية لبورصة طهران. وتشكل إمبراطورية الأعمال التابعة للمرشد الأعلى ما يقدّر بـ5 في المائة أخرى من خلال ثلاث مؤسسات يسيطر عليها المرشد وهي "ستاد إجرايي فرمان حضرت إمام" (أو مؤسسة تنفيذ أوامر الإمام)، و"بنیاد مستضعفان" (أو مؤسسة المستضعفين والمعاقين)، وشركة ري الاستثمارية.

وحول كيفية التوصل إلى هذا الاستنتاج، يشير الكاتبان إلى أنهما استخدما معايير بالغة التحفظ، حيث لا يشمل تقديرهما إلا الشركات التي تسيطر القوات المسلحة أو ممثلو المرشد الأعلى على 50 في المائة على الأقل من أسهمها أو أغلبية المقاعد في مجلس إدارتها، وبالتالي يكون لهم القول الفصل في سياسات الشركة. ويستطيع المرء أن يستخدم معايير أقل صرامة. فهناك ممارسة شائعة في عالم المالية وهي أن يُنظر إلى الملكية التي تبلغ 20 في المائة كحصة مسيطرة. واعتماداً على هذه العتبة المخفَّضة يكون الحرس والمرشد الأعلى وغيرهما من الجهات الفاعلة التابعة للدولة يملكون حصة أكبر بكثير من كعكة الاقتصاد.

واستشهد الكاتبان بـ"شرکت بیمه ملت"، وهي شركة تأمين لا تستوفي عتبتنا. فالحرس الثوري يملك 27.76 في المائة من أسهمها على الأقل، فيما تملك مجموعة تدبير، شركة الاستثمار المالي الرئيسة التابعة لمؤسسة ستاد الخاضعة لسيطرة المرشد الأعلى، حصة أخرى بنسبة 1.13 في المائة، ويملك الاثنان مجتمعين 29 في المائة ويشغلان مقعدين في مجلس الإدارة المؤلف من خمسة مقاعد. الحرس الثوري والمرشد الأعلى هما ضمن الأقلية، على الورق. لكن عندما يأخذ المرء في اعتباره أن الأعضاء الآخرين في مجلس يمثلون ثلاثة كيانات تسيطر عليها الحكومة (صبا تامين للاستثمار، ومؤسسة معاشات الموظفين المدنيين، وصبا للاستثمار)، يصعب أن يصدق المرء، في ظل النظام السياسي الإيراني، ألا تكون السيطرة الفعلية للحرس الثوري والمرشد الأعلى.

وكما نوّه التقرير الكاشف الذي نشرته رويترز حول إمبراطورية المرشد الأعلى "ستاد": "تسيطر ستاد في الواقع على الكثير من الشركات التي تملك فيها حصصا صغيرة جدّاً. وقد حددت رويترز 24 شركة عامة على الأقل تملك فيها ستاد، أو شركة تستثمر فيها ستاد، أقل من 50 في المائة".

وهناك ما هو أكثر من ذلك؛ إذ يملك الحرس الثوري والمرشد الأعلى أصولاً ليست متداولة في بورصة طهران. وعلى الرغم من صعوبة حساب هذه الأصول، إلا أنها توسِّع وبشدة قيمة حصتهما الكلية في الاقتصاد الإيراني. ومن جديد قدّر تقرير رويترز الكاشف أن محفظة ستاد العقارية تساوي 52 مليار دولار، وحصص الأقلية في الشركات المتداولة في البورصة تساوي 3.4 مليار دولار (في عام 2013)، وقيمة ستاد الكلية تساوي نحو 95 مليار دولار. وفيما يخص الحرس الثوري، فقد حدد الباحثان 218 شركة غير متداولة في البورصة مملوكة ملكية مباشرة للمؤسسة التعاونية لحرس الثورة الإسلامية وخمسة وثمانين شركة مملوكة للمؤسسة التعاونية للباسيج، وهذه بدورها تملك العديد من الشركات التابعة.

مَنْ يملك الحصة الأكبر؟
وأخيراً، يشير الباحثان إلى أنه يملك الحرس الثوري والقوات العسكرية وشبه العسكرية الأخرى حصة كبيرة في اقتصاد إيران السري، الذي يقدّر بما بين 6 و36 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لإيران، ويشمل العمولات من عمليات التهريب، ويداً – كما يقال – في تجارة المخدرات التي تعبر إيران في طريقها إلى أوروبا قادمة من أفغانستان. لكن يصعب إعطاء رقم لهذه الأنشطة. وأوضح التحليل أن الاعتماد على ملكية هذه الجهات المدرجة في البورصة يعد مؤشراً كافياً، وإن كان منقوصاً بشكل واضح، على سطوتها المالية. لكن أن نزعم أن حملة الخصخصة أوجدت صورة أكثر تعقيداً لملكية الشركات فهذا تركيز على التفاصيل يحجب عن عين المرء الصورة كاملة.

واختتم الباحثان تحليلهما بالقول: "تسليط الضوء على السطوة الطاغية للحرس الثوري والمرشد الأعلى على الاقتصاد الإيراني ليس "إشاعة للخوف". فهذه حقائق مثبتة، ولا سيما لمن يعتقدون أن أي طفرة تالية فيما بعد رفع العقوبات ستؤدي إلى تنوع عالم السياسة في إيران وتقوية حزب الاعتدال الإيراني المحيِّر دائماً. لقد عادت الخصخصة في الغالب بالفائدة على الدولة العميقة في إيران؛ المؤسسات الصناعية العسكرية والدينية والشركات القابضة المقربة من المرشد الأعلى. فإذا هبطت ثروة من السماء نتيجة الاتفاقية النووية، فلا شك أن هاتين الفئتين ستستفيدان منها بسخاء".