الإثنين 25 مايو 2015 / 15:03

داعش لا يكره "الأصنام" بل يعبدها




منذ سيطر تنظيم داعش الإرهابي على مدينة تدمر الأثرية السورية، علت أصوات مستنكرة متواضعة كان أكبر تجلياتها هاشتاق بعنوان "أنقذوا تدمر" الذي عصف بتويتر ليبقى مجرد وسم شاركه الآلاف، لكنه لم يحرك القرار العالمي الفعلي بوقف تمدد التنظيم.

وخلال هذه الأيام القليلة، توقعنا جميعاً، بل انتظرنا، إصدار داعش لتسجيل يظهر تحطيمه لأعظم الآثار الرومانية الباقية حتى اليوم، فنتلقاه نحن بدموع واستنكار ثم نعمد لتبديل صورتنا الشخصية على فيس بوك، بصورة زنوبيا وهي تبكي، وغيرها من الممارسات التي تكون في أغلب الأحيان أقصى ما يمكننا فعله.

وتجاهلت التحليلات التي ترى أن داعش في هذه المرة- لن يخذل توقعاتنا- وسيصدر إنتاجاً أكبر من تسجيله الذي صور تحطيم تماثيل متحف الموصل ومن بينها تمثال بوذا النادر والتمثال الآشوري الكبير والثور المجنح الخاص في بوابة نركال، وإن كانت على حق، دهاء داعش في استغلال الآثار مادياً ودعائياً.

وهنا لابد أن نلفت إلى ناحيتين تستر عليهما الإعلام العالمي أولهما في الموصل، إذ أنه في اليوم التالي لانتشار أنباء تحطيم داعش لمتحف الموصل، أكدت العديد من التقارير العالمية والعراقية، أن معظم آثار المتحف نقلت في وقت سابق إلى بغداد، وبالتالي فإن أغلب ما حطمه داعش مجرد مجسمات للآثار الحقيقة.

النقطة الثانية في تدمر، وهي أن النظام السوري نقل الآثار العريقة والتحف والتماثيل، إلى جهة مجهولة قبل أسابيع من انهيار قواته أمام داعش، ولم يتبق في تدمر الأثرية سوى الأعمدة والممرات التي يصعب على داعش تحطيمها، ناهيك عن البشر الذين مازالوا هناك، والذين سيكونون على الأرجح الضحية الأكبر لداعش خلال الأيام المقبلة.

وبالتالي فإن داعش نجح في الموصل باستعمال الدعاية العالمية في تحطيمه لـ "الأصنام"، على حد وصفه، وهو بالحقيقة باعها وتنعم بأموالها، ففي حين يدعي داعش كراهية واحتقار التماثيل والتحف الأثرية، أثبت عناصره كذب ذلك، عندما شوهدوا وهم يبيعون ذات التحف الثمينة.

وفي تدمر بعد جذب التنظيم للإعلام العالمي، يتوقع أن يقوم بنفس فعلته في الموصل، إلا أن داعش من عبيد الأموال التي تأتيها "الأصنام" وبالتأكيد فهو لن يضحي بأي شيء قيم يمكن أن يعزز قواته.

ورغم منطقية التحليلات، إلا أنها ليست رسالة طمأنة، أو تبرير للصمت العالمي، لأنه حيث يحل داعش يسود الدمار والإرهاب، ومن الصعب فهم تفكير التنظيم المتناقض والزائف، الذي يفاجئنا كل مرة بوحشيته ليعلمنا بأنه لا حدود لإرهابه.