الإثنين 25 مايو 2015 / 19:23

سقوط تدمر كاستثناء لداعش والنظام




ظهر الاستثناء الداعشي لأول مرة في احتلاله تدمر بالأصالة دون المرور بالحالة "الضبعية"، كون الضبع من بين المفترسات ينتظر صيد الآخرين كي ينقض عليه دون جهد.
لهذا الاستثناء ما يماثله في العراق بعد احتلال داعش للموصل، وصولاً إلى احتلال الرمادي قبل أيام. هناك، استغل ضباع داعش احتجاجات


المحافظات السنية في غرب العراق وانقض بشكل مفاجئ على مدينة الموصل واحتلها قبل أكثر من 11 شهراً.

تلتقي حالتا داعش في سوريا والعراق في وجوه كثيرة، كما تفترق في وجوه أخرى.

في العراق، سهل مهمة داعش وجود أطراف كثيرة مناوئة للحكومة المركزية، حتى تكاد تكون داعش طرفاً لوحدها في مقابل الجيش العراقي، وميليشيا الحشد الشعبي، وقوات البشمركة، مفترقة ومجتمعة. أما في سوريا، ومع تقدم الوقت، انطلاقاً من أواخر 2011، فقد أصبحت الجغرافيا غابة من البنادق بولاءات كثيرة، دون أن تلطف سلبيةَ التعبير كلُّ عمليات الاندماج بين الكتائب والفصائل.

هنا، عموماً، ثلاثة أطراف، أولاً: النظام مع ميليشيا الدفاع الوطني تسانده ميلشيات لبنانية وعراقية وإيرانية، وهذه شبه موحدة القيادة والأهداف. ثانياً: مقاتلو المعارضة الذين ينتمون إلى قيادات كثيرة تجمعها شكلياً معاداتهم للنظام والرغبة في إسقاطه، لكن جهودهم مشتتة بسبب عدم وجود قيادة موحدة، لا سياسياً، ولا عسكرياً. ثالثاً: داعش الذي لا يعلم أحد من عدوه حقاً، النظام، أم المعارضة، أم الناس. الواقع يقول إنه استعدى هؤلاء جميعاً، ونجح في مسعاه هذا فعلياً حتى الآن.

في العراق، وفي سوريا، معاً، لعب داعش في الفراغ؛ فراغ الصراع السياسي بين السنة والشيعة العراقيين، وفراغ الصراع بين البنادق الإسلامية في سوريا، وعدم توحدها في مواجهة النظام. استطاع داعش، حتى الآن، النيل من مقاتلي المعارضة في سوريا، متجنباً الاصطدام مع قوات النظام قبل احتلاله تدمر. حتى هزيمة النظام في ريف الرقة أمام داعش، في اللواء 93، والفرقة 17، ومطار الطبقة العسكري، قيل إن فيه شبهة صفقة.

في الفراغ السوري، استطاع داعش، كما استطاع النظام، التسلل إلى صفوف المعارضة، فحاربهم وشاغلهم عن المعركة الأساسية مع النظام.
ومن هنا تأتي تحليلات بعض السياسيين من أن داعش والنظام هما شيء واحد.

بعد سقوط إدلب من يد النظام، الشهر الماضي، وسقوط تدمر في يد داعش، منذ أيام، لم تعد الرقة استثناء.

الاستثناء كان النظام دائماً، وهو داعش الآن. المدن تسقط من يد النظام، وتسقط في يد داعش.

عندما "تحررت" الرقة في 4 مارس (آذار) 2013 من قبضة بشار الأسد على يد كتائب إسلامية ارتجالية، لم يكن نجم داعش قد ارتفع. وحين استفرد داعش بالمدينة كاد بعض المتابعين السوريين أن يتبرؤوا من ادعاء انتماء مَنْ حرروا الرقة إلى دير الزور، أو إدلب. هرب كثير من محرري الرقة بعد أن رأوا زملاءهم يقتلون اغتيالاً على يد داعش، أو في تفجير سيارات مفخخة. حدث هذا أمام أعين أهالي الرقة الذين قذفتهم مفاجآت النظام إلى مفاجآت أحرار الشام، قبل أن يستقروا منذ عشرين شهراً تحت كابوس داعش المديد. اصطلاح داعش ظهر قبل عامين تماماً من الآن، ودخل القاموس العربي والعالمي، إلى جانب الاختصار الإنكليزي (ISIS).

وحتى ما قبل سقوط إدلب، ظلت الرقة، كمركز محافظة، الوحيدة التي خرجت نهائياً من يد النظام. الآن تتشارك مع إدلب في ذلك، كما تتشارك معها في أنها لم تسقط من يد النظام في الأصل على يد داعش. لكن حالتي المدينتين تفترقان في كون الرقة المدينة، والمحافظة، خرجتا من يد النظام، بينما لا تزال مناطق في إدلب تنتظر التحرير.

من الجيد، هنا، الإشارة إلى ضآلة احتمال أن ينقض ضباع داعش على مدن ومناطق إدلب ويهزموا جبهة النصرة وجيش الإسلام وبقية الكتائب الإسلامية المقاتلة هناك.

وفيما لا يزال داعش يلعب في فراغات التناقضات السياسية في العراق، وفي المساحات الفاصلة بين تعدد ولاءات البنادق في سوريا، ظل النظام يرى أن المعارضة تخدم إسرائيل وحلفاءها كونها تنتظر العون الأمريكي، وظلت المعارضة ترى أن الموقف الأمريكي السلبي ممالئ عملياً لإسرائيل، فأسد ضعيف لا ساقط ولا باقٍ، وسوريا ضعيفة، ومعارضة ضعيفة، هو غاية ما تشتهي إسرائيل.