الخميس 28 مايو 2015 / 14:07

لا تظلم نصاً أو كتاباً



فى صيف يبدو بعيداً جداً الآن، رن جرس التليفون في المنزل، رنات طويلة. كان هذا جرس "الترانك". كان هناك فارق في ذلك التوقيت بين "الرنة القصيرة" و"الطويلة". القصيرة تعني أن التليفون داخلي، لا يتجاوز نطاق المدينة، والطويلة تشير إلى أن المكالمة من محافظة أخرى.

كنت في السنة الثالثة بالجامعة، وجاءني أخي ليقول لي إن الأستاذ جمال الغيطاني على الطرف الآخر. ظننت أن الأمر مزحة من أحد أصدقائي في قنا، المدينة التي أتممت فيها دراستي، وتجمعني علاقة أخوة بعدد كبير من شعرائها، وكتابها، وحينما رددت استمر الشك معي ثواني، لدرجة أنه اضطُر على ما يبدو إلى أن يصيح: "مش انت فلان؟ ليه مابتردش؟". فوجئت به يسألني: "أنت تكتب قصة جميلة؟ لماذا توقفت عن إرسال ما تكتبه إلينا؟"، كان هناك شيء غريب بالنسبة لي، الكاتب الكبير، ورئيس تحرير "أخبار الأدب" يتصل بي ليسألني عما أكتبه، ويحثني على أن أواصل الإرسال. كانت مكالمة مؤثرة، لم تكن فيها حسابات، فليس لديَّ، أنا الشاب الذي يتلمس خطواته، شيئاً يفيد الغيطاني، صاحب الاسم الكبير، وكثير ممن يهاجمونه كانوا دائماً يتحدثون عن أنه شخص يبحث عن مصالحه طوال الوقت. ليس هذا موضوع المقال، وإنما ذلك المعنى الذي يكاد أن يختفي الآن، إلا من استثناءات طفيفة. ذلك الدور الذي يمكن أن تلعبه الصحافة الثقافية في تشجيع الكتابة، وعدم النظر إلى الأسماء بقدر الاهتمام بالنص ذاته، عدم الاهتمام بالأسماء المكرسة بقدر الاهتمام بما يضيفه الكاتب، البعد عن المصالح الضيقة في التقييم، وأيضاً دعم الأشخاص الذين أدارت الثقافة ظهرها لهم في الأقاليم البعيدة. ليست محاصصة، أو تصنيفاً بقدر إدراك أن هناك شخصاً بعيداً لو أتيحت له الفرصة، لو مُنح منفذاً، فربما يغير ذلك من حياته بأكمله، مع العلم أن كثيراً من الكتاب يموتون قبل أن يولدوا، بسبب عدم الاهتمام الكافي، مع أن أحدهم كان يمكن أن يصبح إضافة قوية إلى الساحة الثقافية المصرية والعربية.

لست من أنصار النشر وفق التقسيم الجغرافي، وقد كنا نفعل ذلك في أخبار الأدب، بمعنى أنني لا أدعو إلى تخصيص مساحات بعينها للمناطق البعيدة، فهذا يعني أن هناك مساحات يجب ملؤها طوال الوقت، وفي تلك الحال سيتم نشر نصوص رديئة، ولكن يجب النظر طوال الوقت بعين الاعتبار إلى تلك الأماكن، عدم انتظار الكتاب حتى يُرسلوا. الصحافة الثقافية يجب أن تأخذ المبادرة دائماً، والنص هو البطل دائماً. والضمير هو المحك النهائي، هذا فيما يتعلق بالنصوص المفردة، أما فيما يتعلق بالكتب المنشورة، الدواوين والمجموعات القصصية والروايات فلا بد من التنويع بقدر المستطاع، وكل عمل يستحق الكتابة عنه، سواء بالسلب أو بالإيجاب، ولكن لا معنى أبداً أن يُكتب عشرون مقالاً عن ديوان جيد، ولا يُنشر خبر واحد عن ديوان جيد آخر، والكلام باختصار دعوة إلى توسيع قماشة النشر، عدم الاستسهال في تناول القريب، بدون كلام كبير عن فساد، لأن الأخطاء واردة، وتحدث أحياناً بسبب الكسل والاستسهال.