الإثنين 1 يونيو 2015 / 14:23

الحرب على الإرهاب هي بالضرورة حرب على الطائفية



لا تذكر الطائفية، اليوم كما في أزمنة ماضية، إلا ويتبع ذكرها الشجب والاستنكار والرفض، سواء من عامة الناس أو من أهل العلم والفكر والسياسة، إلا أننا غالباً ما نقف عند هذا الحدّ، دون أن نحاول قطع الخطوة الإضافية نحو فهم العوامل والنوازع التي تتشكّل منها الطائفية، ولماذا تشتدّ في حين، وتخفت في أحايين أخرى، وهل هي مرض متأصل في ثقافتنا أم أنها عارض طارئ لأمراض ومعضلات أخرى؟

الأمر المؤكد اليوم أن سؤال الطائفية لم يعد مجرد ترف فكري ومسألة خلافات فقهية فلسفية حول "أصول" و"فروع" بين مذاهب وأديان، بقدر ما بات مسألة محورية يتوقف عليها مصير شعوب المنطقة العربية برمتها، دون أن ينجو سائر العالم من آثارها ومفاعيلها المدمرة.

فقد باتت الطائفية باعتراف الجميع أحد أبرز المحركات، إن لم تكن المحرك الأكبر، للإرهاب الأسود المتنقل من مكان إلى آخر، ومن ساحة قتال إلى أخرى، حاصداً أرواح الأبرياء بسرعة جنونية وأعداد فلكية، ونحن نجد شباباً غفلاً حتى عن شؤون دينه ودنياه، يتبنى خطاب الطائفية المقيتة، بسهولة وبداهة لم تكن موجودة من قبل، رامياً نفسه إلى ميادين القتل – قتل نفسه والآخرين – مندفعاً وراء "صنم" فكرة عمياء، يرى فيها الآخر شيطاناً رجيماً، لا تطيب معه حياة، بل تصبح هذه الحياة نعيماً من دونه.

لقد أجلنا الأسئلة المصيرية زمناً طويلاً، وكنسناها تحت سجادة الشعارات المجانية التي لا تسمن ولا تغني من جوع، واليوم ما عادت السجادة تحتمل إخفاء ولا مزيداً من الأغبرة والركام، وبات لزاماً علينا أن نرفع السجادة ونواجه المشهد المقيت المتعفن المختبئ تحتها، أي أن نواجه صورتنا المرعبة، إذا كنا نريد حقاً وضع أقدامنا على بداية طريق التخلص من هذا الوباء اللعين.

مواجهة الذات هي الحل والملاذ، لكنها أيضاً لا تكفي. علينا جميعاً أن ندرك أننا في حالة حرب مع كلّ من يروج للطائفية ويمارسها ويجد لها المسوغات والمبررات، ويشحنها بالمال والأفكار، وهي حرب لن نستطيع الانتصار فيها دون قوانين حاسمة، على مستوى الحكومات والدول والكيانات الدولية، ودون آليات واضحة للمحاسبة، حتى نتمكن من إعادة جرذان الطائفية إلى جحورهم، قبل أن تستشري شرورهم ويتسع نطاق انتشارهم، مستغلين في ذلك الويلات الكثيرة التي نتجت عما يسمى الربيع العربي، والفوضى الضاربة في أكثر من بلد عربي.

الحرب على الإرهاب، على داعش والحوثيين وغيرهم، تستدعي اليوم حرباً واضحة على الطائفية، وهي حرب لا يمكن الانتصار بها بالخطابات البليغة واللغة المنمقة فحسب.