الإثنين 1 يونيو 2015 / 16:25

الطائفية في العراق: ظاهرها الدين وباطنها السياسة والموارد النفطية

24 - ميسون خالد

رغم مرور أكثر من 12 سنة على سقوط نظام صدام حسين، لايزال العنف والتوتّر بين السنة والشيعة يهدّد استقرار العراق، في ظل فشل النخبة السياسية في تطوير نظام للحكم شامل للجميع، وتعزيز الانقسامات الداخلية بسبب تداعيات الربيع العربي، وخاصة تأثيرات الحرب الأهلية في سوريا، وتعزيز الطائفية العابرة للحدود الوطنية، ناهيك عن كابوس الإرهاب الممتد، الذي زاده سوءاً نشوء تنظيم داعش، كجماعة تابعة للقاعدة في 2004، ثم كتنظيم مستقل يسعى لإقامة "خلافة" إسلامية بعد ذلك، عقب استيلائه على الموصل في يونيو (حزيران) 2014.

بينما كانت الخلافات بين السنة والشيعة حول القضايا السياسية والعقائدية في الأساس إلا أن التنافس على السلطة والموارد المكانة هو الدافع وراء تجلياتها اليوم

منذ الغزو الأمريكي للعراق في 2003، عانى هذا البلد العربي من عمليات إرهابية يكاد صداها لا يخفت في وسائل الإعلام كل يوم، ما بين تفجيرات لسيارات مفخخة، واستهداف لمدنيين من طوائف مختلفة، وصولاً لعمليات داعش الأكثر وحشية وتأثيراً في نفوس العراقيين خاصة والعالم عامة.

شيعة العراق وسنته
لا توجد إحصاءات رسمية ودقيقة للتركيبة الديمغرافية في العراق، وهناك اختلاف واسع بين المصادر في هذا الخصوص، فبينما يشير تقرير "الحرية الدينية في العالم" إلى أن الشيعة يمثلون أغلبية السكان، وتتراوح نسبتهم ما بين 60 و65% من تعداد السكان، يذكر عالم الاجتماع العراقي الشهير، فالح عبدالجبار، أن الشيعة يؤلفون 53.5% من إجمالي السكان لعام 2000، أما السنة فيشكلون 42.3%، بحسب ما أفادت شبكة "سي ان ان" الأمريكية.

كما ذكرت مصادر سنية عراقية أن عشرات الآلاف من الإيرانيين الشيعة دخلوا البلاد بعد سقوط نظام صدام حسين وتم منحهم الجنسية العراقية، ويتركز الشيعة في محافظات جنوب البلاد، وفي المناطق الفقيرة في العاصمة بغداد.

دور الإرهاب في إذكاء الطائفية
ولعل أبرز أوجه الطائفية في المنطقة العربية هو ما يتعرض له العراق، هذا البلد الذي استهدفه داعش بالكثير من هجماته، وهو التنظيم الذي يدعي دفاعه عن المذهب السني من الإسلام، فيما تنتقده جميع المؤسسات الإسلامية السنية والشيعية على حد سواء، إذ شن هجمات طالت العربي والغربي، والمسلم والمسيحي، وحتى الكردي والإيزيدي.

وفي دراسة جديدة نشرت الشهر الماضي، لشركة تحليلات المخاطر العالمية للهجمات الإرهابية، "فيرسيك ميبلكروفت"، تصدرت المدن العراقية، وعلى رأسها بغداد، والموصل، والرمادي، وكركوك، وبعقوبة القائمة بصفتها المدن الأكثر عرضة لهجمات إرهابية على مدى العام المنصرم.

أجهزة الدولة ومواردها

ويشير معهد "كارنيغي" لدراسات الشرق الأوسط إلى أن محاولات بناء الدولة في العراق ركزت على "إيجاد ممثلين طائفيين أكثر من تركيزها على التغلّب على الانقسامات الطائفية"، ونظراً لشعور أهل السنة بأنه يتم تهميشهم، جرت تغذية التيارات المتطرفة بينهم، ما منح الجماعات المتطرفة بيئة مثالية للتعبئة والعمل.

وبالتالي، تحول فكرة الوحدة الوطنية دون تسوية الخلافات الطائفية، كما يشكل إصلاح النظام السياسي في البلاد جزءاً لا يتجزأ من مسألة الطائفية، حيث لم تقم الحكومة العراقية بأية محاولة واضحة للتغلّب على هذه الانقسامات، وبناء هويّة وطنية مشتركة، منذ سقوط صدام في 2003.

وبينما كانت الخلافات بين السنة والشيعة حول القضايا السياسية والعقائدية، في الأساس، إلا أن التنافس على السلطة والموارد والمكانة هو الدافع وراء تجلياتها اليوم.

مرجعية دينية وعلاقة طيبة

للمرجعية الدينية دوها الكبير في العراق، وأبرز رموزها المرجع الشيعي الأعلى، آية الله علي السيستاني، الذي خاطب العراقيين الشيعة مشدداً، في كلمة ألقيت نيابة عنه خلال افتتاح الملتقى الأول لعلماء السنة والشيعة في العراق في مدينة النجف، في 2007: "لا تقولوا إخواننا السنة، بل قولوا نحن أنفسنا أهل السنة".

وفي نهاية ديسمبر(كانون الأول) 2012، بعد وصول الاحتقان الطائفي مداه في البلاد، وانطلاق اعتصام سلمي لسكان محافظة الأنبار، ذات الغالبية السنية، قرر مرجع اهل السنة في العراق، الشيخ عبد الملك السعدي، التواجد فيه، وجاء خطابه للمتظاهرين ليؤكد بأن نجاح الاعتصام السلمي يعتمد، بالدرجة الأولى، على حماية التعايش بين طوائف العراق، وفي مطلع 2013 أصدر فتوى تحرم على العرب السنة الدعوة إلى إنشاء أقاليم في العراق، ما جعل المتظاهرين يغيرون شعاراتهم، ويتحدثوا عن "علاقة طيبة" بين السنة والشيعة.

المعادلة الصعبة
مما تقدم يتضح تفرع الصراع الطائفي في العراق ليشمل جوانب عدة، أبرزها الإرهاب، ممثلاً في التكفيريين والمتعصبين، منهم السنة ومنهم الشيعة، إلى جانب الفشل في الوصول إلى هوية وطنية كان من المفترض أن تضمنها المؤسسات السياسية في الدولة بعد 2003، وليس انتهاءً بحرب المرتزقة التي تسيطر على شوارع العراق اليوم، وفشل الجيش العراقي في التصدي للإرهابيين، وتشكيل قوات حشد شعبي تمثل "طائفة" بعينها، الأمر الذي يزيد من شراسة "سنة" داعش في مواجهة من يعتبرونهم في الأصل أعداء، ويبقى الحل منوطاً بالحكومة العراقية، التي تقف اليوم شبه عاجزة أمام الطائفية والإرهاب المستشريين في البلاد.