السبت 6 يونيو 2015 / 10:21

الأستاذة كوثر الأربش والانتصار بالمحبة



يحق لنا كسعوديين في دائرتنا الكبرى، ويحق لنا كمثقفين سعوديين في دائرتنا الصغرى، أن نفاخر ونباهي بأن بيننا مثقفة عظيمة كالزميلة كوثر الأربش. فالموقف الخالد الذي سجلته السيدة الأربش ليس من أحداث الأسبوع الصغيرة التي تنساها ذاكرتنا المرهقة بعد شهر. بل هو موقف خالد وبصمة واضحة ستبقى دائماً في ذاكرة التأريخ، عندما يتذكر العظماء الذين مروا به. موقفٌ جعل من كوثر الأربش رمزاً وطنيّاً حقيقياً، بالفعل لا بالكلام.

عرفنا الأستاذة الأربش من خلال كتاباتها المثيرة للجدل والتي تنتقد الغلو والتطرف والسب والشتم واللعن، بغض النظر عن الواقع فيه، وإن كان أقرب الأقربين. لكن الجديد في تفجير مسجد الإمام علي بالقديح ومقتل ابن الأستاذة وأقاربها في الحادث، هو خروجها بموقف من مواقف العظماء، وبوحها بكلمات تشبه كلام القديسين. كنا نتوقع أن يكون موقفها موقف الغاضب الثائر الداعي للانتقام ممن قتل فلذة كبدها، إلا أن موقفها كان صادماً ومخالفاً لكل التوقعات وتحليل العرّافات. إنه موقف المثقف الحقيقي الذي يلتزم بما يدعو إليه ويطبق مبادئه في أشد الظروف صعوبة وأحلكها ظلمة.

إنه موقف المثقف الوطني الحريص على أمن وسلامة بلده. المثقف الذي يملك من الوعي السياسي، القدر الكافي الذي يؤهله لأن يعرف أن إيران بوضعها الحالي عدو، وأنها ليست دولة عظيمة إلا في عيون عشاقها الذين أغشاهم العشق عن رؤية الحقيقة، وأنها أحد الأسباب الجوهرية لما يحدث للعرب اليوم. وأنها تسعى هي والدواعش، صنيعة الاستخبارات العالمية، لأن يقتل بعضنا بعضاً ولأن تتحول بلادنا إلى أشلاء وأنقاض. لا قدّر الله.

كتبت الأستاذة بياناً تنعى فيه إبنها الذي ربته على أن يكون مختلفاً:
"قد ذهب محمد حُرًا، اختار أن يكون درعا للمصلين. ترك لأمهات أصدقائه أن يحتضن أبنائهن كل يوم، وترك حضني فارغا منه. فأحمد الله أنه لم يكن لي ابنا كارهاً، محرضا، طائفيا مؤذيا للناس. بل افتدى الناس وذهب هو. كما أعزي أم قاتل ابني وأعظم لها الأجر. لقد اختار ابنك خيرة الشباب وأنقاهم، ولو بذل جهده لينتقي لم يكن انتقاؤه بكل هذه الدقة، وأنا على معرفة تامة أن قلبكِ الآن كقلبي.. حزين وباكٍ. كما أعزي بهذا الفقد الكبير كل أهلي وأخوتي وأبناء عمومتي وأبناء وطني الغالي. مصابي مصابكم، وكلنا في خندق واحد ".

والأستاذة مصيبة فيما قالت، فإن كان في قلبها جمرة لفقد ابنها الغالي الذي انتزع منها باكراً، فقلب أم القاتل فيه جمرتان، جمرة فقد ابنها الذي اجتالته الشياطين، وجمرة قلب امرأة طيبة من نسائنا لا تقرّ الإرهاب ولا سفك الدماء البريئة، وها هي ترى ابنها قد ارتكب كارثة حقيقية، قد زادتها حزناً على حزن.

كلنا عزاء لك أيتها السيدة النبيلة، وكلنا معك بقلوبنا، وأنت حقيقة، لا تحتاجين العزاء، لأنك أقوى من العزاء، فهذا القلب العامر بالمحبة، هو من القوة بمكان، بحيث لو كان فينا مائة قلب كقلبك، لما كان للإرهاب في أرضنا مكان.