السبت 13 يونيو 2015 / 10:04

ابن تيمية ذلك الذي حفر حفرة لابن حيّان فوقع فيها


هناك عالمان لم يتعاصرا زماناً، لكنهما اشتركا في مكان الولادة، حيث ولدا في حران التي كانت من أعمال بلاد ما بين النهرين في سوريا، أما الأول فيدعى جابر بن حيان (101-هجرية 195 هجرية) أول رواد الكيمياء في العالم، التي سميت علم جابر كما نصّ ابن خلدون. وهو يتحدر من عائلة عرفت بانشغالها بالعلم التطبيقي. أما الثاني فهو ابن تيمية (661 هجرية -728هجرية) البارع في الفتاوي والمتحدر هو الآخر من عائلة اشتغلت بالعلم الشرعي.

وجرياً على عادة من لا يعرف علوم الكيمياء ومصطلحاتها، انبرى ابن تيمية للطعن في ابن مدينته جابر بن حيان، مستعيناً في ذلك بالمدونة الإسلامية بأكملها من أجل تشويهه وإتلاف كتبه، واغتيال شخصيته؛ ذلك أن الإنسان عدو ما يجهل..

إنّ في قول ابن تيمية (الوارد في مجموع فتاوي ابن تيمية للأمير) ما يجلي الحكاية، إذ يقول ابن تيمية عن كتب ابن حيان: "لا يحل بيع هذه الكتب"، ثم أَمَر بأن تُلقى في الماء، فانمحت، ولم يبق يُعرف ما فيها.

إنّ وجهة النظر هذه تعكس ذهنية المفتي الذي يسعى إلى تضليل السلطة ودفعها إلى كراهية العلماء، لينفرد بالمكانة والمنزلة، تلك المكانة التي تجعل صوته يعلو فوق كل الأصوات، حتى فوق صوت الأمير نفسه، الذي لم يذكر لنا ابن تيمية رده، فلا ندري ماذا قال الأمير له، فصوته قد اختفى، ليأمر هو نفسه بالإتلاف، ولا ندري من هم أولئك الذين أمرهم بالقيام بهذه المهمة القاسية.

تلقى كتب ابن حيان في الماء، بعد أن امّحى الكلام فهل شربه ابن تيمية مثلما فعل الصنعاني الذي رمى أوراق أحد الكتّاب في التنور، ثم خُبِز له على نارها، وأكله بنيّة الشفاء، فذهب البأس عن الصنعاني؟

ثم هل المشكلة في "بيع كتب ابن حيان" أم في قراءتها؟ وهل ما أحنق ابن تيمية على كتب ابن حيان أنها نافست كتبه، بحيث زاحمتها في الأسواق فبارت بضاعة المفتي الكاسدة أمام بضاعة العالم الكيميائي؟ ثم لماذا اختار ابن تيمية إتلاف الكتب بالماء وليس إحراقها بالنار؟ وهل النار مخصصة لإحراق البشر الذين يخالفون منهجه، ذلك أن الكتب لا ترمى في النار لما تشتمله من آيات قرآنية وأذكار وأحاديث نبوية؟

تظل الطريقة التي تتلف بها الكتب ملتبسة في التراث الديني الإسلامي، إذ  أن الطرق مفتوحة لإتلافها، فهناك شواهد على رمي الكتب في النار أو الماء أو التمزيق أو الطمس أو الدفن أو الشطب أو التزوير فيها والتبديل، فها هو ابن القيم الجوزية يقرر أن الكتب المشتملة على الكذب والبدعة يجب إتلافها، دون أن يحدد الطريقة بل يتركها مفتوحة كل على قدر همّته!

لكن من كان يتوقع بأن يقع ابن تيمية في الحفرة التي حفرها لأخيه وابن مدينته بعد مرور أكثر من ألف سنة عندما قررت، إن صحّ ما تناقلته وسائل الإعلام، دائرة المطبوعات والنشر الأردنية مؤخراً التحفظ على مؤلفات ابن تيمية، ومنعها أو تقنين دخولها إلى المملكة الأردنية الهاشمية في سياق حربها على الإرهاب، ويأتي ذلك بعد أشهر قليلة من قيام مجموعة من الطلبة الأردنيين بحرق عدد من كتب “ابن تيمية”، أحد أبرز المراجع الفكرية للحركات الإسلامية المتشددة، رداً على حرق تنظيم “داعش” للطيار الأردني الشهيد معاذ الكساسبة إذ رأوا مثل غيرهم بأن فتاويه كانت سبباً بيّناً في تشريع حرق الإنسان عند تنظيم داعش الإرهابي.

واللافت أن ينبري السلفيون والإخوان المسلمون فيهاجمون هذا القرار، متناسين أن ابن تيمية قد أتلف بنفسه مع تلاميذه وأتباعه آلاف الكتب بحجج غامضة، وقد أسهم هذا الإتلاف في فقدنا كنوزاً معرفية وأدبية وعلمية هائلة، بل إنّ منطق ابن تيمية ما يزال متحكّماً في منظمي بعض معارض الكتب في العالم العربي، فاقتداء به وبمواقفه تحجب الكتب وتمنع حتى يوم الناس هذا، في حين شكلت كيمياء جابر مصدراً مهماً من مصادر النهوض العلمي في الغرب، عندما ترجمت كتبه إلى اللاتينية في عصر النهضة.