التجارة العالمية تتجه نحو الركود (24- طارق عليان)
التجارة العالمية تتجه نحو الركود (24- طارق عليان)
الخميس 2 يوليو 2015 / 23:13

الإيكونوميست: العولمة تتراجع

24. إعداد: طارق عليان

قالت مجلة الإيكونوميست البريطانية في تقرير لها، إن "القلق على الاقتصاد العالمي لا ينحصر في ضعف النمو، ولا تدهور الخصائص السكانية، ولا تضخم الديون الاستهلاكية والحكومية، إذ يبدو أن التجارة العالمية، التي دأبت على النمو بمعدل أسرع من إجمالي الناتج المحلي، اتجهت نحو الركود".

وأشارت المجلة إلى أنه في كل سنة من السنوات الثلاثة الماضية، كانت نسبة النمو أقل من 3 % بالقيمة الحقيقية، وتأمل منظمة التجارة العالمية تحقيق نمو بنسبة 3.3 % هذا العام، لكنها تخفّض تنبؤاتها بانتظام، وهناك تقارير تتحدث عن حدوث تراجعات في الصادرات في الأسابيع الأخيرة من تايوان ومصر وإندونيسيا والأردن والصين، وهذه مجرد أمثلة.

ويعزى بعض التراجع الذي شهدناه هذا العام، بحسب الإيكونوميست، إلى ازدياد قوة العملية الأمريكية بطبيعة الحال، وهو ما يقلل قيمة الصادرات بالدولار، لكن من الصعب أن نصدق أن هذا هو الشيء الوحيد الحاصل، مشيرةً في هذا السياق إلى كتاب جديد أصدرته بوابة VoxEU.org التابعة لمركز بحوث السياسات الاقتصادية يغطي هذا الموضوع بالتفصيل الدقيق.

وفي أحد فصول هذا الكتاب، ينظر دوغلاس إروين إلى السجل التاريخي، وتشير بيانات أنغوس ماديسون إلى أن التجارة كانت تحقق نموّاً بنسبة تزيد على 3 % سنويّاً في حقبة رواج العولمة الأولى التي امتدت فيما بين عامي 1870 و1913، وتباطأت إلى أقل من 1 % من عام 1913 إلى عام 1950 بفضل الحربَيْن العالميتَيْن والكساد العظيم، ثم انطلقت في "السنوات المدهشة" من عام 1950 إلى عام 1973 بمعدل يزيد على 7 % سنويّاً.

وتشير الأرقام الصادرة عن منظمة التجارة العالمية إلى أن عقد الذروة كان عقد الستينيات من القرن المنصرم، ثم تباطأ النمو في التجارة حتى عقد التسعينيات، وذلك عندما برزت الصين فجأة على الساحة، لكن القرن الحالي شهد تباطؤاً آخر، وتفاقم هذا التباطؤ ما إن عصفت الأزمة المالية بالعالم.

يقول تقرير المجلة البريطانية: "لن تندهش لمعرفة أن كاتباً في الإيكونومست يرى أن التجارة شيء طيب، ولملاحظة أنها مرتبطة بفترات الازدهار (على الرغم من أن هذا يُغفل السببية). والتفسير المنطقي لهذه الصلة هو أن التجارة تؤدي إلى التخصص والتخصص أكثر كفاءة.

وبحسب المجلة، فإن تفسير التباطؤ الذي حدث أخيراً يمكن أن يكون دوريّاً (بمعنى أنه مرتبط بضعف النمو في الناتج منذ عام 2007) أو هيكليّاً (بمعنى أنه ذو طبيعة طويلة الأمد)، وينوّه برنارد هوكمان في مقدمته إلى أن:

تفسيرات التراجع

وأوضحت المجلة: "هناك تفسيرات محتملة مختلفة للطبيعة "الهيكلية" (بمعنى غير الاقتصادية الكلية) التي يمكنها أن تتمخض عن تراجع في مرونة دخل التجارة، أحد هذه التفسيرات هو أنها تعكس تغيّراً في تكوين التجارة العالمية نحو منتجات تتسم بمرونة أقل، وهناك آخر وهو أن التباطؤ يعكس ببساطة نهاية عمليات إدماج الصين وأوروبا الشرقية/ الوسطى، بمعنى أن النمو التجاري الكبير كان إلى حد كبير ظاهرة انتقالية.

وثمة تفسير ثالث وهو أن هذه الطبيعة تعكس أنه تم بلوغ الحدود في قدرة الشركات (والحوافز المقدمة لها) على الانخراط في التفتيت الدولي للإنتاج الذي هو جزء لا يتجزأ من سلاسل القيمة العالمية، وهناك تفسير محتمل رابع وهو حدوث ارتفاع في الدعم الحكومي للصناعات الداخلية، مما قلل حوافز الشركات والأسر لشراء السلع والخدمات من موردين أجانب".

وأشار التقرير إلى أن الصين تلعب دوراً كبيراً في كثير من هذه التفسيرات، فطفرة النمو الكبيرة التي حققتها كانت مدفوعة بالاستثمارات وبإنشاء البنية التحتية الذي رفع الطلب على المواد الخام، والآن يبدو أن هذا النمو يشهد تباطؤاً وتحوّلاً في الوقت نفسه إلى نموذج قائم بدرجة أكبر على الاستهلاك، وهو ما يتمخض عن آثار كبيرة على الدول المصدّرة الأخرى.

وثمة نقطة أخرى مهمة، ورد ذكرها في مقال نشر أخيراً، وهي أن تدفقات التجارة تُحسب على أساس إجمالي، وهكذا فإذا أرسلت تايوان مكونات إلكترونية إلى الصين، ثم قام مصنع صيني بتجميع هذه المكونات لتصير هاتف آيفون، فصادرات كل من المكونات والهواتف تحتسب كتجارة، لكن هذا يعتبر حساباً مزدوجاً فيما يخص حساب إجمالي الناتج المحلي، فلا يتم اشتمال إلا القيمة المضافة في كل مرحلة، إذن فسلاسل التوريد المطوّلة تعزز التجارة.

فإذا كانت الصين تصنع المكونات وتقوم بتجميعها بنفسها، يظل إجمالي الناتج المحلي دون تغيير، لكن حجم التجارة يبدو أنه ينخفض، وهناك مقال نشره ثلاثة خبراء اقتصاديين من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ينوه إلى أن التباطؤ في التجارة تركَّز على التصنيع لا الخدمات، وهو ما يضفي مصداقية على حجة سلسلة التوريد.

ربما يكون التغيّر في سلسلة التوريد دوريّاً، أو ربما يكون هيكليّاً، وهناك مذكرة بحثية حديثة لمؤسسة ستاندرد تشارترد سلطت الضوء على بعض العوامل التي قد تطيل سلاسل التوريد (سهولة الاتصال حول العالم، وانخفاض أسعار النفط مما يخفض تكاليف النقل) وبعض العوامل التي قد تقصّرها (الطباعة ثلاثية الأبعاد التي تسمح بالإنتاج المحلي أو المخاطر الجغرافية السياسية).

وكل هذا مهم لثلاثة أسباب، وفقاً للمجلة، أولها أن بعض البلدان ربما يكون اتبع استراتيجية قوامها أن يكون جزءاً من سلسلة التوريد، وإذا كانت الصين تقلّص هذه السلاسل، فسيكون لهذا أثره على نمو هذه البلدان، ثانياً: يؤدي الركود في أسواق التصدير إلى زيادة إغراء تقليل قيمة العملات للاستحواذ على حصة سوقية، وهناك كثيرون ينظرون إلى هبوط قيمة الين من هذا المنظور.

ثالثاً: يعاني العالم المتقدم على وجه التحديد من مشكلة في الإنتاجية، حيث يحتاج إلى تحسينات في الإنتاجية ليعوض التدهور في خصائصه السكانية ويعزز النمو، وغالباً ما تكون قطاعات التصدير هي الأكثر إنتاجاً، لأن المنافسة تجبرها على أن تكون كذلك، وأما البطء في نمو التجارة فلن يساعد في هذا الشأن.