السبت 4 يوليو 2015 / 16:35

أجندات داعش الإقليمية



رد ظاهرة داعش الملغزة إلى أصولها أقصر طرق إخراجها من متاهة قراءات متباينة تدور حول أنصاف الحقائق ولا تصل إلى تفسيرات مقنعة لاتساع دور التنظيم في الأجندات الإقليمية أو تكوين تصورات للمآلات التي يمكن أن ينتهي إليها.

لدى محاولة توصيف التنظيم وتعريفه يصعب تجاهل ظروف نشأته التي لا تترك مجالاً للشك في أنه إعادة إنتاج لتنظيم القاعدة بعد شيخوخة الأخير وتفكك أوصاله وعجز زعيمه أيمن الظواهري عن ملء فراغ سلفه أسامة بن لادن. 

ساهمت تلك الظروف في بلورة اختلافات بين أولويات الأصل وفرعه المتمرد حيث بقي تفكير "القاعدة" أقرب لمعادلة فسطاطي الكفر والإيمان كما كانت ترد في خطابات بن لادن المشدودة لتجربة الجهاد الأفغاني في الوقت الذي بحث داعش عن خطاب أكثر مذهبية يلائم مقتضيات حالة الفرز العراقية والسورية فيما بعد. 

بناء على الاختلاف، ظهر داعش خلال وبعد سنوات ما بات يعرف بالربيع العربي في صورة الطور الأكثر تطرفاً لتنظيم القاعدة و صاحب نمط محدد من الاداء جوهره إثارة الفتن بين مكونات المجتمعات العربية وصولاً لتحويلها إلى كيانات سياسية غير قادرة على التعايش.

لكن اختلاف الخطاب والأولويات بين الأصل والفرع لم يحل دون اشتراكهما في سرعة الاستجابة لرغبة توظيفهما في خدمة أهداف متضاربة وظهورهما واجهات لاكثر من طرف في الوقت ذاته.

ففي السنوات التي سبقت انكفاء "القاعدة" إلى الحد الأدنى من الظهور جرت العادة على استخدام أداة قياس "المستفيد من التصعيد" لمعرفة أغراض الاعتداءات التي ينفذها التنظيم والجهات التي تقف وراءها.

والمعطيات المتوفرة لاحقاً توحي بأن الاداء "الداعشي" لم يخرج عن المسار "القاعدي" حين يتعلق الامر باستفادة أطراف إقليمية ودولية من عملياته وشبهات الأيدي الخفية التي تقف وراء هذه العمليات.

تندرج في هذا السياق فوائد يجنيها رجب طيب أردوغان من دموية حرب غير مبررة يخوضها داعش ضد الكرد في سوريا و ترجمة التنظيم لتصورات مراكز بحث غربية حول ترتيبات جديدة تقوم على إعادة تقسيم المنطقة وتجاوبه مع الرغبة الايرانية في توتير امن دول الخليج العربي بمحاولة اثارة النزعات الطائفية وتلبية المصلحة الاسرائيلية في التغطية على التهرب من عملية السلام ومواصلة استيطان وتهويد القدس والضفة الغربية. 

قول المسكوت عنه خلال محاولة تفكيك لغز الحضور الاقليمي للتنظيم يبدأ من التاكيد على أن الاطراف الاقليمية المستفيدة من الاداء "الداعشي" صاحبة تجارب في توظيف الظواهر سواء أخذ التوظيف شكل "حروب الوكالة" و"تأجير البنادق" كما جرت العادة أثناء الحرب الباردة وإشعال إيران بؤر التوتر للتهرب من الاستحقاقات الدولية والأزمات الداخلية وغزل الأتراك خيوط ما عرف بالربيع العربي لاستعادة أمجاد أزمنة غابرة أو نمط التجيير الإسرائيلي لممارسات الإخوان المسلمين والخطاب القومي العربي في تهجير اليهود العرب الى اسرائيل قبل منتصف القرن الماضي.