ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة زينب بانغورا (أرشيف)
ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة زينب بانغورا (أرشيف)
الأحد 5 يوليو 2015 / 18:36

صحيفة أمريكية: مبعوثة الأمم المتحدة تسترجع ماضيها في سيراليون بمساعدة النساء المعنفات

24- إعداد: ميسون جحا

أراد والدها أن يزوجها وهي في الثانية عشر، ورفضت أمها بإصرار، وبسبب هذا الموقف، دفعت ثمناً غالياً،إذ هجر والد زينب بانغورا منزل الأسرة، تاركاً لأمها مسؤولية تدبير أمور معيشتها، عبر بيع كل ما تيسر لها بيعه في السوق، من حطب وأعذية ومنسوجات، صنعت منها أحياناً ثياباً جميلة.

وتسترجع زينب بانغورا ما قالته أمها: "مهما كلفني الأمر، سأرسل هذه الفتاة إلى المدرسة".

وبالفعل غيَّر التعليم مصيرها كلية، وأوصلها في نهاية المطاف لأحد أكثر المناصب أهمية في الأمم المتحدة.

توثيق الانتهاكات
وبوصفها الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة المعنية بالعنف الجنسي في حالات الصراع، تقوم بانغورا بتوثيق الانتهاكات ضد النساء ـ الحروب ضمن الحروب من أجل النفوذ والمال. ومن ثم تحث الرجال الذين يقودون تلك الحروب على التصدي لتلك الانتهاكات.

وكونها ابنة إمام مسجد من سيراليون، وهي ذاتها لاجئة حرب في يوم ما، ليست بانغورا غريبة على قصص اليأس والنجاة.

ولكن كما تقول لصحيفة نيويورك تايمز: "رغم ذلك، فإن القصص التي سمعتها خلال زيارتها الأخيرة لمنطقة الشرق الأوسط كانت أكثر إيلاماً من كل ما قرأت وعلمت به".

وعلمت أنه في سوريا هناك فيتات أجبرن على الزواج من جهاديين. وفي العراق، روت لها نساء أنهن أُشترين وبِعن وكأنهن قطعان ماشية.

وفي إحدى الأمسيات، روى لها طبيب نفسي في أحد الملاجئ في الأردن حكاية لاجئة سورية أجبرت على الزواج من 15 رجلاً خلال عام واحد.

وعندها توقفت بانغورا عن تدوين ملاحظاتها، ورفعت رأسها وكأنها تريد تصحيح ما سمعته، وسألت: "ماذا قلت؟: وكرر الطبيب النفسي الرقم 15 رجلاً خلال عام". إذ غطت وجهها بيديها من هول الصدمة.

وقالت فيما بعد: "ما زال الاغتصاب يمضي دون عقاب. وتلك هي المشكلة الأكبر".

وسيلة إذلال
في سبعة تقارير متعاقبة، نقلت بانغورا للأمم المتحدة معلومات موثقة حول كيفية إساءة معاملة نساء وفتيات في ميدان القتال وفي سواه، سواء من قبل غرباء أو من قبل أفراد الأسرة ذاتها، وذلك ليست كحوادث ناجمة عن الصراعات، بل كاستراتيجية متعمدة لإرهابهن وإذلالهن، بدءاً من مينامار وصولاً لجنوب أفريقيا وكولومبيا".

وفي سوريا والعراق، مضت الجماعات الجهادية خطوة أبعد. إنهم يقومون على بيع واستعباد النساء كجزء من استراتيجية، تقول بانغورا: "أنها تقوم على جمع الأموال والتشجيع على التجنيد".

وزينب بانغورا مسلمة، وهذا الأمر يثير غضبها بحدة. تقول: "الدين الذين نشأت على تعاليمه لا يطالب ببيع النساء في الأسواق. لقد أعاد هؤلاء المتطرفون النساء إلى ما قبل أربعة قرون إلى الوراء".

45 مجموعة مسلحة
وبحسب تقرير أخير أعدته بانغورا، تستخدم 45 مجموعة مسلحة حول العالم، من قوات حكومية ومتمردة، العنف الجنسي كسلاح. ومن ضمن هؤلاء ثلاث مجموعات جهادية أصدرت بيانات تنفي تلك الاتهامات، مما يعني، حسب قولها، أنهم يولون القضية بعض الاهتمام.

ولكن كما علمت، في زمن الحروب، تواجه النساء مخاطر ليس على يدي المسلحين وحسب. إنهن كلاجئات يكن عرضة لمستويات أعلى من العنف سواء داخل البيت، أو للتحرش الجنسي لدى خروجهن. كما تحمل النساء وصمة عار إن تم أسرههن. ويؤدي الفقر لجعلهن أكثر عرضة للاستغلال الجنسي.

وكان مصير بانغورا محل خلاف مبكر بين والديها. ولو لم تكن طفلة وحيدة، لربما ما استطاعت أمها تأمين المال اللازم لإرسالها إلى المدرسة.

فيما كانت وفاة أمها نقطة تحول أخرى في حياتها. فحسب العادات، كان يفترض بأبيها دفن أمها، لأنها لم تكن متزوجة. وقد غضبت بانغورا، ولذا في يوم دفن أمها، تزوجت من الرجل الذي كانت تقيم معه. ومن ثم قاما بدفن أمها، وهما ما زالا متزوجين منذ 22 عاماً.

دافع نبيل
وبسبب تلك التجربة، قالت بانغورا: "قررت أن أصبح ناشطة لصالح حماية حقوق النساء".

وانتهى بها نشاطها لأن تؤمن عملاً ثابتاً في مجال التأمين، ولأن تخرج إلى الشوارع لتنظيم النساء للمطالبة بحقوقهن.

ولكن في بداية تسعينيات القرن الماضي، بدأت الاضطرابات في سيراليون. حيث قاد انقلاب عسكري لتعليق الدستور. ودخلت البلاد في حرب أهلية هزت ضمير العالم جراء حمى حالات الاغتصاب وبتر الأعضاء الذي شهدته.

وفي 1997، عندما عم القتال جميع أرجاء البلاد، هربت بانغورا بواسطة قارب صيد إلى غينيا المجاورة.

وعند انتهاء الحرب في سيراليون في 2002، سعت زينب بانغورا للعمل على معاقبة مرتكبي جرائم الاغتصاب. وهي تتذكر كيف أخذت عشرات النساء للتظاهر أمام درجات المحكمة العليا في فريتاون، العاصمة. وقد تم تعديل القانون بحيث يضمن للناجيات الإدلاء بشهاداتهن في جلسات محاكمة خاصة.

وزيرة خارجية
ووصلت بانغورا إلى منصب وزيرة خارجية لبلدها، قبل أن يختارها الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، كمبعوثة خاصة له في عام 2012.

وكما تذكر صحيفة نيويورك تايمز، في حين طرحت قضية العنف ضد النساء على الأجندة العالمية بطريقة لم تكن معهودة من قبل، أمرت محكمة بوسنية، في شهر يونيو(حزيران) وبعد عشرين عاماً من انتهاء الحرب في البلقان، ولأول مرة، بتعويض ناجية من ضحايا الاغتصاب، فما زال من الصعب التصدي للمشكلة.

فإن ضحايا الاغتصاب غالباً ما يمتنعن عن الإبلاغ عن الجرائم. ولذا يجد دوماً المسؤولون الأمنيون والأطباء وسيلة لجمع أدلة، مما يصعب إجراء محاكمات وتعويض الضحايا.

ويقول منتقدو بانغورا إنها "لا هي ولا الأمم المتحدة التي أنشأت مكتبها، قدموا ما يلزم. لكن الداعمين لها يقولون أنها عبر إقناع الحكومات بالالتزام بمعاقبة مرتكبي جريمة الاغتصاب، فهي تساعد الناشطين على الأرض في تحميل زعمائهم المسؤولية".

وسيلة إقناع
وقالت كارين نيمر، من منظمة أطباء لصالح حقوق الإنسان، ومقرها في بوسطن" إنها تمارس ضغطاً على الحكومات لإصدار تصريحات عامة ولتقديم تعهدات. وتواجه بانغورا تحديات كبرى، لأن منصبها لا يمكنها من فرض القانون، بل للتمتع فقط بسلطة التأييد والضغط".

وبالفعل استطاعت بانغورا إقناع حكومة جمهورية كونغو الديموقراطية بتحميل جنودها المسؤولية عن العنف الجنسي. وخلال العام الماضي، تمت إدانة أكثر من 130 من هؤلاء أمام محاكم عسكرية. وفي يونيو( حزيران) تفاوضت لتوقيع اتفاقية مع القادة العسكريين في ساحل العاج لمقاضاة جنود اتهموا بممارسة العنف الجنسي.

كما حاولت الحصول على وعود مماثلة من مختلف الزعماء المتناحرين في الحرب الأهلية في جنوب السودان، حيث قام جنود باغتصاب فتيات ثم إحراقهن وهن أحياء، وفق تقرير صدر عن الأمم المتحدة في الأسبوع الماضي. ولكن كما أشارت السيدة بانغورا بحدة "لم يظهر القادة بعد اهتمامهم بأي شيء سوى حماية سلطتهم".