الإثنين 6 يوليو 2015 / 16:00

بلاد لا يسار فيها!



في اليونان عاد اليسار إلى الحكم رغم تطويق البلاد باليمين من كل الجهات، فالشركاء الأوروبيون يخضعون لحكم اليمين الرأسمالي الذي يوزع يافطاته بين أحزاب محافظة وأخرى ليبرالية، والجار التركي يعيش مرحلة حكم اليمين الديني، وعلى الطرف الآخر من المتوسط تخضع دول شمال أفريقيا لحكم اليمين السياسي والشراكة القائمة بين الأمن والبزنس.

وفي دول أخرى في أفريقيا وأمريكا الجنوبية ينشط اليسار ويستعيد مقاعده في الحكم ونفوذه في الشارع، ومثلما يتحدى رئيس الوزراء اليوناني اليكس تسيبراس الرأسمالية الأوروبية وصندوق النقد الدولي برفض شروط الدائنين الذين يسعون إلى تقليص خدمات الدولة لمواطنيها ودفعها إلى إلغاء برامج الدعم للطبقات الفقيرة، تتحدى رئيسة الارجنتين كريستينا فرنانديز دي كيرشنر تغول الرأسمالية العالمية على الشعوب وهيمنة الولايات المتحدة على العالم، وهذا موقف كان سبقها إليه رئيس البرازيل اليساري السابق لولا دا سيلفا، ونيكولاس مادورو رئيس فنزويلا الذي خلف الزعيم اليساري التاريخي للبلاد هوغو تشافيز.

حتى في دول غرب أوروبا الخاضعة تاريخياً لرؤى آدم سميث واضع أسس النظرية الرأسمالية، يتحرك اليسار ويواصل سعيه لتغيير المجتمع من خلال النفوذ الذي يحظى به الاشتراكيون في النقابات العمالية والمهنية وفي الجامعات والمراكز البحثية وبعض المنابر الإعلامية المؤثرة.

يرفض اليسار في العالم أن يستسلم للأمر الواقع وأن يندحر أو يموت، ويعيد اليسار تجديد نفسه في العوالم الثلاثة في شمال الأرض وجنوبها.. لكنه يموت أو ينتحر في بلادنا المشتعلة بالصراع بين اليمين واليمين المتطرف.. وكأن هذه البلاد منذورة للتخلف وللخراب.

في بداية الهبات الشعبية التي دشنت ما سمي لاحقاً بالربيع العربي، كان الحراك الشعبي في عواصم العرب يسارياً بامتياز، لكن اؤلئك الطليعيين الذين قادوا الحراك ما لبثوا أن اكتشفوا ضعف وسائلهم وقدراتهم التنظيمية وسرعان ما تراجعوا أمام زحف اليمين الديني المنظم على الساحات والميادين، فتحول الصراع بين الشعوب والقامعين لها إلى صراع بين النظم اليمينية الحاكمة بقوة القمع والبدائل اليمينية المسلحة بالشعار الديني.. والانتحاريين. ومن لم يسلم راية التغيير إلى شيوخ الإرهاب قتلوه أو سحلوه أو قطعوا يده القابضة على راية الثورة.

لم يكن اليسار في بلادنا منبتاً، ولا هو نبت شيطاني يذبل ويموت في جفاف الواقع، لكن حقباً سوداء من القمع والتضييق والمطاردة والاعتقال والاغتيال أضعفت اليسار العربي وأنهكت قواه المنظمة وحولته إلى مجرد اكسسوار ضروري لتزيين الادعاء بالديمقراطية في الكثير من بلادنا.

لكن الزلزال الذي اجتاح المنطقة وحولها إلى جغرافيا مفتوحة للموت والخراب الداعشي والحوثي والذبح الميليشياوي الطائفي أيقظ بعض اليسار العربي من سباته الطويل ليبدأ المراجعة واستخلاص النتائج من التحولات المريعة في مجتمعاتنا، ومحاولة العودة إلى إحياء أحزاب وأطر كانت خلال العقود الماضية حية في أذهان وحوارات النخب، لكنها كانت منقطعة عن الواقع وعن الشارع العربي.

الآن يسعى مفكرون يساريون في بعض الدول العربية إلى إحياء تراث عبد الخالق محجوب وفرج الله الحلو ورشدي العامل ويعقوب زيادين وعربي عواد وخالد بكداش.

قد لا ينتهي جهد الساعين إلى نتائج ملموسة في شوارع توزع ولاءها بين حكومات ومعارضات كلها يمين، ولكن هذا الجهد قد يؤسس لعودة الروح إلى اليسار العربي في أزمان لاحقة.