الإثنين 6 يوليو 2015 / 16:29

تداعيات صيفية

 

أكَّد وزير المالية الألماني فولفجانج شويبله قبل أسبوع من نتائج الاستفتاء اليوناني، على أننا سنفعل كل ما يلزم لمنع أي خطر مُحتمل بانتشار "عدوى" الأزمة اليونانية. والآن نتيجة الاستفتاء "لا"، لشروط الدائنين في منطقة اليورو، وصندوق النقد الدولي. توقفتُ قبل أسبوع عند كلمة "العدوى"، والتي توحي بأن اليونان أُصيبت بمرض معد، ويجب عزلها في الحال عن باقي أوروبا، إمَّا لعلاجها أو لمُحاصَرة موتها، وبما أن اليونان رفضتْ العلاج، فلا يبقى إلا الموت.

طوال الأسبوع السابق على الاستفتاء كانت تصريحات التهديد والوعيد العصبية تخرج من المسؤولين المُتحكمين في عملية التفاوض، مديرة صندوق النقد الدولي، رئيس مجموعة اليورو، رئيس المفوضية الأوروبية، رئيس البنك المركزي الأوروبي. العزل حتى الموت رسالة مُوجَّهَة أيضاً إلى البرتغال وإسبانيا وربما إيطاليا، وهي الدول التي قد تُجَابَه في السنوات القليلة القادمة بنفس طلبات التقشف الاقتصادي، وهذا يعني أن إجراءات الموت تتم بشكل علني، وعلى رؤوس الأشهاد، لكن بدفع ضريبة موجعة، فهذه الدول هي جسم المؤسسات العملاقة، جسم التكتل الذي يبعث الخوف في نفوس الآخرين، وكما في مرض خبيث، الهجوم مُوَّجَه إلى الداخل، إلى نواة الكتلة ذاتها. تخلَّفتْ اليونان عن سداد دفعة من قرض، قدرها 1,5 مليار يورو، مُستحقة لصندوق النقد الدولي في 30 يونيو الماضي ثم قلبتْ الترابيزة، وقررتْ الاستفتاء بشأن مطالب دائنيها.

كان على الدائنين الذين يتمتعون بصفة الصرامة القاتلة، أن يعلنوا خروج اليونان من منطقة اليورو، لكنهم كرروا التهديد والوعيد، ولم يقطعوا الوريد قطعاً مُباشراً، فبلعوا الإهانة المُرَّة بطعم الزقوم ثم أعلنوا كرد فعل هزيل على نتيجة الاستفتاء، عن قمة لمجموعة اليورو يوم الثلاثاء القادم، وقال وزير الخارجية الألماني فرانك والتر شتاينمير: علينا تقبل مثل هذه النتيجة، وهي نتيجة استفتاء شارك فيه اليونانيون بأعداد كبيرة، والقرارات ينبغي أن تؤخذ في اليونان، والكرة الآن في ملعب أثينا. إبقى سلم لي على الصرامة، يا عم الحاج ده إنت سايب الكرة في ملعبهم طول الوقت، فين الشِدَّة؟ فين الوَحْشَنَة؟ البرتغال قاعدة في الخُص وعينها بتبُص، وأسبانيا بتسنْ سِنانها.

بعد الإعلان عن الاستفتاء وقبل نتيجته، اجتمعتْ منطقة اليورو اجتماعاً مغلقاً ضم وزراء مالية المجموعة دون وزير المالية اليوناني يانيس فاروفاكيس. في القمة الجديدة لمجموعة اليورو يوم الثلاثاء القادم، وبعد نتيجة الاستفتاء، ها تعملوا كده مثلاً مع رئيس حكومة اليونان أليكسيس تسيبراس؟ ولاَّ مش وقته؟ ها تجروا ناعم؟ خرج أليكسيس تسيبراس بعد الاستفتاء، وفرد صدره واتمطَّع وقال: إن الاستفتاء الذي رفض فيه الناخبون اليونانيون بأغلبية أصواتهم شروط مقرضي أثينا، أظهر أنه لا يجوز ابتزاز الديموقراطية. اضرب كمان خليني أتوب. وأكَّد أن الحكومة اليونانية ستعود مجدداً إلى طاولة المفاوضات مع المؤسسات الدائنة، داعياً إياها إلى إعادة جدولة ديون بلاده. الكرة التي ادعى الدائنون كثيراً أنها في ملعب اليونان، هذه المرة في حِجْر المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي تتحمَّل النصيب الأكبر في فشل إدارة الأزمة أمام برلمانها وشعبها، وهل ستحتاج المستشارة أنجيلا ميركل إلى استفتاء فنتازي كوميدي، تطرح فيه المستشارة على الشعب الألماني: نكمِّل مفاوضات بعد ما اتوَكسْنا ولاَّ لأ؟ التداعيات السياسية غير محسوبة، ماذا عن مشكلة المهاجرين؟ واستفتاء بريطانيا قبل 2017 على البقاء في الاتحاد الأوروبي؟ بريطانيا لم تستغن عن عملتها، على راسها ريشة.

الاتحاد الأوروبي يتدخل باسم كتلته في سياسات العالَم الثالث، ووحدة عملته اليورو، تساعده على فرض قوته. ماذا عن حلف الناتو الذي أصبح في حاجة ماسة إلى قبلة حياة، وقبلة حياته هي حرب يخوضها صراحةً. وماذا عن تكتل الدب الروسي والتنين الصيني واليوجي الهندي، هل تنضم اليونان إلى هذا المعسكر أو على الأقل تقترب منه. هل ستبقى شوكة العقوبات الاقتصادية الأوروبية ضد روسيا هي نفسها في حالة خروج اليونان من منطقة اليورو؟ مَنْ سيُحدد حصص المهاجرين الأفارقة المتدفقين على الدول الأوروبية في حالة خروج بريطانيا من الاتحاد 2017؟ هل سيبقى اتحاد دول دون اتحاد نقدي في حالة خروج اليونان وأخواتها البرتغال وإسبانيا وربما فرنسا؟ ثم كيف ستكون الامبراطورية الأمريكية؟ هناك مَنْ يعتقد أن السياسات الأمريكية قد تُسرِّع، تحت يافطة المصلحة البرجماتية الطارئة المُستجدة، من سقوط الكتلة الأوروبية واتحادها النقدي.