الثلاثاء 7 يوليو 2015 / 15:52

كاميرا خفية على وجه شهير



المشهور يضحك. المشهور يأكل. المشهور يتمشى. المشهور ينظر إلى شيء ما. المشهور عينه تبرق، المشهور حاجبه يرتفع، المشهور يغضب. المشهور يخاف. المشهور رفع يده إلى فمه، قال آي، قال آخ، قال أوف، كل حرف يصدر منه مهم، كل صوت، كل حركة، نحن نريد أن نسمع، أن نرى، كيف يبدو هذا المشهور حين يتصرف مثلنا. نريد أن نرى كيف يضحك، وماذا يفعل لو خاف. ولو غضب، ولو تلفظ بالسباب والشتائم.

هو مشهور، ونحن مجانين مشاهير، ومتلصصون بالفطرة، يهمنا اقتناص لحظاتهم الخصوصية الخاصة.. نريد أن "نتفرج" على ذلك المشهور، الفرجة عليه –حتى وهو يموت- تمتعنا. هو موجود لمتعتنا، هو ليس إنساناً طبيعياً عادياً يتصرف كما يتصرف البشر. هو مشهور، بالتالي كل ما يقوم به سيكون محل دهشة، ونحن نريد أن نشهق من الدهشة، فنحن فارغون، منهكون من السأم، نريد أن نتسلى.. والمشهور هو اللب الذي نتسلى به فيما نقلب صفحات الأوقات التي لا نعرف كيف نهدرها. نريد أن نراه وهو يأكل ونعرف ماذا يأكل، وماذا يشرب، وأين يذهب، وشكل أطفاله، وكيف يتحدثون، ووجه أمه وكل من له علاقه به، وماذا يفعلون حين يجتمعون، وكيف يجلس وكيف يقف وكيف يتنفس، وعدد الشعيرات البيضاء في إبطه. ثم عليه -لدى البعض-أن يكون قدوة. فهو لهم تمثال شمع، عليه أن يتحرك بدقه محسوبة وإلا فالويل له، منا نحن المتفرجون عليه، الويل له من تهكمنا، من سخريتنا اللاذعة، ومن غضبنا عليه.

المشهور كائن مخلوق لتسليتنا، لتقضية أوقاتنا- ليس بعمله ولكن بكينونته كلها- وعليه كذلك يطيب لنا أن نقيس حجم مبادئنا التي عليه أن يطبقها، نستعرض عليه أفكارنا وخلفياتنا الثقافية وننظّر عليه ونطالبه ونطلب منه، ونحن –جمهوره- مصدر رزقه فعليه السمع والطاعة والإتيان لنا بما يرضينا، ونحن لذلك سنخصص له أوقاتنا وطاقاتنا لكي نراه كيف يغضب، كيف يخاف، ونرصد تفاصيل انكماشات وجهه عند كل انفعال، وكيف يتصرف لو أوشك على الموت، وكيف يبدو لو مات. هو بالنسبة لنا انعكاس التجربة الإنسانية التي نريد أن نشاهدها فيه، بعيداً عنا. نحن بشر. لكن هو مشهور، الأمر مختلف.

بهذا المنطق يتم إهدار الملايين لإنتاج برامج المقالب التي تستضيف مشهوراً ما. لكي نراه وهو يصرخ ويغضب ويتقلب على متن طائرة توشك أن تقع أو قارب يوشك أن يغرق، أو سلاح يوجه على رأسه يوشك أن يطلق رصاصة الموت الأخيرة. ونضحك عليه. نضحك لأنه خائف، ولأنه يبدو مضحكاً حين يخاف، ولأنه غاضب، ولأنه يبدو مضحكاً حين يغضب، نضحك عليه.

أو يضحك المنتجون علينا. ولسان حالهم يقول: هذا ما تريدونه؟ حسناً، هذا هو الطُعم- المشهور- وأنتم –الجمهور- السمك في البحر.

يُرمى علينا، ليسحبنا إلى جيوب المنتجين المنتفخة سمكاً ساذجاً آثر الفرجة على دودة تتدلى من سنارة على أن يحرث وقته في ممارسة الحياة. عند المنتجين لا هذا المشهور إنسان له حق الخصوصية، ولا نحن بشر لنا حق الاحترام. هو طعم، ونحن سمك .. وهذا أصل الحكاية.