الثلاثاء 7 يوليو 2015 / 16:03

علي بابا السوري



في ما قبل الثورة السورية، تخصص النظام في نهب سوريا متحالفاً مع مجموعة من الحيتان التي صنعها بنفسه، أو ارتضت تقاسم أرباحها مع زعماء فروعه الأمنية.

ليس صحيحاً تماماً أن الطائفة العلوية كانت شريكاً للنظام في ذلك، بالرغم من أن كبار ممثلي "مؤسسة النهب العام" كانوا من الطائفة، حتى يمكن القول إن هؤلاء الزعماء وزعوا الأدوار على مديرين أقل شأناً مقابل نسب محددة للزعماء يضمنون مقابلها تقليل المخاطر على أصحاب الأموال، أي أن مستثمري الأموال يضمنون أرباحاً مؤكدة في مقابل أتاوات مؤكدة القيمة لزعماء المافيا.

لم يكن ذلك ليتم لولا "الاستقرار الأبدي" للسلطة السياسية. هذه الأخيرة كانت ممسوكة أيضاً من الفروع الأمنية التي يُقال إن عددها وصل إلى 17 فرعاً أمنياً تعد على الناس أنفاسهم، وتقيد حركتهم.

بدورها، كانت الفروع الأمنية على مراتب، منها ما يتصل مباشرة برأس النظام، في عهدي حافظ الأسد، وبشار الأسد، ومنها ما هو أقل شأناً يتكسب الفتات من ابتزاز الناس عبر ما بات يُطلق عليه "الاقتصاد السياسي للاعتقال"، وفق ياسين الحاج صالح.

وبالفعل، أصبح الاعتقال فرصة للتكسب، بمعنى أن اعتقال شخص ما سيجعل أهله يستغلون علاقاتهم الاجتماعية والاقتصادية، وما يملكونه من مال، لمعرفة مصير ابنهم ومحاولة إطلاق سراحه. وميكانيزم العملية: تلفيق تهمة يسهل معها تمرير عملية إطلاق السراح مقابل مبلغ يتناسب مع السمعة المالية لأهل المعتقل. الحالة هنا تماماً حالة اختطاف مقابل فدية، لكنها مبطنة.

تبادلت السلطة السياسية، والفروع الأمنية، المنافع في ما بينهما في سبيل تقوية كل منهما الأخرى. ونجح الطرفان في استمرار الشراكة حتى بعد أكثر من أربع سنوات من بدء الثورة.

تُحكى الأعاجيب عن التزاوج الثلاثي بين السلطة السياسية، والسلطة الأمنية، وسلطة المال. وأكثر ما كان يتداوله الناس في الشارع هو الوكالات الأجنبية، وأشهرها وكالات السيارات وقطع تبديلها، حيث كانت السلطة السياسية والسلطة الأمنية تفرض على الوكلاء نسبة معينة من المستوردات تصل إلى زعماء هذه السلطات مجاناً لتوزع على مريديها ومستَخْدَميها، وهذه النسبة كانت عينية، أي سيارات، وليس قيمة سيارات.

وأشهر هذه المنازعات ما جرى في بدايات الألفية بين أولاد سنقر "وكلاء مرسيدس"، ورامي مخلوف، ابن خال بشار الأسد. حينها، رأى مخلوف أن هذا المجال مربح ويجب الاستيلاء عليه، لكن الشركة الأم وقفت إلى جانب أبناء سنقر، فما كان من السلطة السياسية والأمنية إلا أن عدلت عن استيراد سيارات المرسيدس الرسمية وقررت استيراد ماركة ألمانية أخرى فارهة.

في كل الأحوال، وما لم يحدث نزاع بين علي بابا وأحد الحرامية القدماء، أو المحدثين، تبقى الشراكة بين الطرفين قائمة، والبلاد كلها، بثرواتها وبشرها، تحت تصرف صاحب المغارة.

بعد الثورة، لم يتغير الوضع كثيراً، وإن تراجعت منافع علي بابا وعصابته. هم يستثمرون منذ أربع سنوات مدخراتهم، على أمل القضاء على الثورة والعودة لتعويض هذه "الخسائر" حين تستقر لهم الأوضاع من جديد.

في جانب آخر، مظلم أو مضيء، نأى بعض الحرامية بأنفسهم عن السلطة، وأعلنوا براءتهم من ماضيهم. هذا البعض قليل، وأغلبيتهم من محدثي النعمة الذين صنعوا امبراطورياتهم المالية بـ "الضرب بسيف السلطة".

يبقى تجار دمشق وحلب، ممن تحالفوا مع السلطة مالياً فقط، وهم لا يزالون في جانب السلطة، إما خوفاً من بقايا قوتها، أو لأنهم غير متأكدين بعد من أفول نجمها. هؤلاء يشكلون ظهير السلطة المالي، ويقال إنهم أثروا في الأزمة على غير المتوقع. فكونهم تجاراً فقد حولوا أموالهم إلى عملات صعبة، وأفادوا من التضخم الهائل لتكبير حجم أرباحهم، عدا عن مضارباتهم المتوقعة بالعملة، وتكالبهم على العقارات التي أصبحها عرضها استثنائياً بعد أن غادر البلاد أكثر من 4.5 مليون سوري، ونزح داخلياً أكثر من 8 ملايين آخرين.

في النتيجة، التفاصيل السورية في ما قبل الثورة تشبه تفاصيلها الحالية، وتحالفات ما قبل الثورة تشبه التحالفات الحالية بين السلطة والمال.

الثورة قامت في أسبابها غير المباشرة بسبب جملة ما تقدم، وإن كان الحامل السياسي لها هو الاستئثار بالسلطة.

لم يتغير شيء، ولن يتغير ما لم يسقط التحالف بين المال والسلطة بشكله السوري – العربي – العالمثالثي.

صحيح أن هذا التحالف موجود في كل زمان ومكان، لكن لابد من تقنين ذلك، والحد من ابتلاع ألسنة الفقراء، ولقمة عيشهم.

أما ممثلو الثورة، سياسياً، ومالياً، وعسكرياً، فلا وزن ولا قوة.

تحالفهم الوحيد وتكالباتهم المتعددة موجهة نحو فقراء الثورة الذين لم يبيعوا بعدُ حناجرهم.