الخميس 9 يوليو 2015 / 15:40

لماذا يشوه فشلة الإخوان سيرة الملك عبد الله العطرة؟



دعاة "الإسلام الكافر" بـ"الإسلام الحق" من المنتمين للجماعات والتيارات الإسلاموية المتطرفة لابد وأن يضمروا الكره والضغينة للملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله، لأسباب سآتي على ذكرها.

إلا أن ما نود التأكيد عليه الآن يكمن في أن الأشهر القليلة الماضية، قد شهدت إطلاق الإخوان لحملة تشويه كبرى تستهدف الإساءة لمسيرته ورسم صورة ذهنية مليئة بالمغالطات عن فترة حكمه ومحاولة تكريسها في ذهن المواطن السعودي بل والعربي، لتكون هي المنطلق الجديد لما بعد فشلهم التاريخي، في سعيهم لإعادة إحياء مشروعهم السياسي وفرض قبولهم الاجتماعي، فاجتهدوا في الاستهداف المقيت بجعل حملة التشويه مصدراً لتضليل المجتمع عبر تحويل عدد من مواقفه التاريخية وإنجازاته المشهودة إلى خطايا وسيئات.

بل بلغ بهم الحد إلى القول بأن الملك كاد أن يجر الوطن والعباد إلى كوارث وفتن بزعمهم، وفي ذلك دناءة لا تخفى على أحد، لاسيما حين يخلطون بخبث بعض إنجازات الملك الراحل ببعض المواقف والقرارات الملكية التي روجوا على أنها ضلال وتغريب وفساد مبين، في مراوغة يحاولون الظهور من خلالها بصورة المخلصين لوطنهم والمحايدين والموضوعيين في طرح القضايا الوطنية.

إن مثل أولئك من دعاة "الإسلام الكافر" يحاولون تبرير مواقفهم الجديدة برفعهم لشعار الخوف والحرص على مصلحة الوطن، في الوقت الذي تجدهم أقرب إلى مايمكن تسميتهم بـ "المعطلة الجدد" فهم المهووسون بتعطيلهم أو وقوفهم ضد العديد من المشاريع الإصلاحية والتطويرية والعمل بكل همجية وصلف وغوغائية ضد حركة المجتمع وماينشده أفراده من تطور وحرية مسؤولة وحراك فكري وثقافي واقتصادي، الأمر الذي يجعلنا نخشى فعلاً من أن يتحول الاعتدال السعودي ذات غفلة إلى تطبيق الفكر الإخواني والأصولي المطلق المتطرف، ولكن تدريجياً هذه المرة.

لا شك بأن القيادة والوطن والمجتمع السعودي يواجه الكثير من التحديات، وعليه اتخاذ وتنفيذ جملة من الخطوات المصيرية لترسيخ العدالة والمساواة في إتاحة الفرص وتكريس قيم الحرية المكفولة بنص الدين الإسلامي، بما في ذلك إحياء عقل المرأة وتمكينها من أداء رسالتها ودورها، ودعم المجتمع بمؤسسات ترعى مصالحه وتحفظ حقوقه وتحول دون تغول السلطات، بتفعيل الرقابة ومكافحة الفساد، لكن تلك الضرورات حين يروّج لها بهدف التهديد والترهيب واستعراض قوة الحشد لتلك الجماعات الدينية المتنطعة والمتشدقة بأفكارها المتطرفة ومصالحها الرديئة والفئوية، فمن الواجب على الجميع إدراك حقيقة ما ينتظرنا من أزمات، إن لم نواجه بجرأة تلك الأفكار لـ "المعطلين الجدد" ونعمل على كشف أهدافها الانتهازية والمتخلفة.

إن تشويه عهد عبدالله بن العزيز يعد أول خطوة يتم تدشينها ضمن خطوات لاحقة لإنجاز عملية "الإنعاش الإخواني" التي يسعون من خلالها إلى إصدار تقرير شرعي يفيد بأنهم ما زالوا على "قيد الحياة".

لقد بات من الواضح اليوم أن مايجري في مصر من فعل إخواني إجرامي، يقابله نشاط قولي خبيث ومضلل في الداخل السعودي يدعونا للتأمل والقلق في آن، لكنّ تكامل وتزامن الفعل الإخواني في مصر مع القول الإخواني السعودي يشي بأن مرور 6 أشهر على وفاة الملك عبدالله رحمه الله باتت كفيلة بإعادة النظر في مدى استئناف هذه الجماعة لنشاطها في الداخل السعودي وغيرها من التيارات والجماعات الإسلاموية ومعرفة ورصد ومواجهة خططها وأفكارها الجديدة.

ولكن لماذا هذا التشويه المتعمد والعنيف لعهد عبدالله بن العزيز؟! ولماذا الآن؟! وهل هو متزامن بقصد مع الأحداث الإرهابية والاغتيالات المنفذة من جماعة الإخوان المصرية وأخواتها داخل سيناء؟!

قبل الإجابة على تلك الأسئلة لابد من القول الصريح بأن "الإشراك في الوطن" لامرد له ولامفر منه في عقيدة واستراتيجية الإخوان وغيرهم من الأصوليين المتطرفين، لكن القلق المتعاظم يكمن في تزايد رؤوس أولئك "المشركين في الوطن" من أتباع ومريدي تلك الجماعات والتيارات لاسيما بعد ظهور المؤيدين والمنادين بالتعاطف، أو أولئك المنضوين لها، أو ممن يدعمون ويشجعون بيع العقول المعلبة في مزادات الإرهاب العابرة للحدود، أو عبر محاريب النفاق ومنابره في الداخل، لكنهم لا يلبثون حتى يعوذون بالتقية حين يتسلل الخوف والقلق إلى صدورهم فتراهم يعلنون ولاءهم في كل محفل ومناسبة وطنية؟!

إنها ظاهرة سعودية قديمة جديدة لها جذورها وامتدادها العربي في تاريخ حركات الإسلام السياسي المتطرفة، وتجدها ماثلة بوضوح حين تراجع تاريخ تلك الحركات والجماعات؟! وهي في النهاية محصلة طبيعية ونتاج حتمي لصراعهم من أجل السلطة باستخدام عمامة الدين وعباءته الفاخرة؟!

وقبل الإجابة كذلك عن تلك الأسئلة لابد من القول الصريح الذي يجعلنا نؤكد أن وفاة الملك عبدالله ومبايعة الملك سلمان حفظه الله ملكاً للبلاد، قد استغلتها جماعة الإخوان وأخواتها وذلك بذهاب عدد كبير وواسع من قيادات تلك الجماعات الدينية المتطرفة لاسيما الإخوان إلى ترويج فكرة أن مرحلة مابعد عبدالله تنبئ عن احتمال حدوث تغير داخل المطبخ السياسي لصالحهم بناء على ما استجد من قضايا في العالم العربي، وهو ما قد يسفر بزعمهم عن خلق قناعة جديدة لدى القيادة السعودية بإمكانية التغاضي عن الإخوان، وأن عليهم ضرورة استغلال هذه اللحظة التاريخية بما يمكنهم من إعادة النظر في إصلاح فشلهم عبر تدوير أفكارهم وإصلاحها والتخطيط لاقتناص أي فرصة تمكنهم من النهوض الجديد، وهو توهم حاولوا ترويجه عن طريق المزايدة على تاريخ قادتنا وتشويه مسيرتهم.

لقد اعتقدوا أن ماكينة التشويه التي دشنوها ستمنحهم تاريخَ صلاحية جديد لجماعتهم بعد أن كتب شعب مصر العظيم تاريخ نهاية صلاحيتهم في الحكم والإدارة في الـ 30 من يونيو.

لقد بادر الإخوان إلى زرع شيء من عدم الثقة والاطمئنان بين القيادة السعودية الجديدة وبين الرئاسة المصرية بزعامة السيسي، فنشروا مايعرف بـ"تسريبات مكتب السيسي" إلا أنهم اكتشفوا أخيراً عدم جدوى تلك التسريبات وفشلها الذريع في زعزعة العلاقات التاريخية والاستراتيجية بين مصر والسعودية.

تلك التسريبات التي خطط لها ونفذها إخوان مصر كما هو معلوم، كشفت عن ضعف إمكاناتهم وتفتتهم في الداخل المصري وقلة حيلتهم مع ازدياد الضغط الشعبي المصري ضدهم، وهو ما جعلهم يستشعرون حجم مأزقهم الوجودي، فرأوا أنه لا بد من إيجاد بديل ومنقذ يمنحهم مساندة عابرة للحدود، فلم يكن سوى إخوان السعودية فهم الذين بمقدورهم تقديم العون لهم ونصرتهم بعد فشل تسريباتهم في إلحاق الضرر بالعلاقات بين البلدين الشقيقين؟! فبماذا سينصرون جماعتهم في مصر التي يحاكم معظم قيادييها بتهم القتل والترويع ونشر الفوضى؟! في الواقع كانوا مطالبين بعمل أي شيء، إلا أنه لم يكن بمقدور إخوان السعودية سوى التأليب بتشويه عهد الملك عبدالله رحمه الله ليكون القاعدة المنطقية لانطلاقهم في إثارة الرأي العام وتأجيجه بالاعتراض على ما تم تخصيصه من مساعدات لمصر كي تتجاوز أزمتها، وذلك بحجة أن تلك المساعدات السعودية قدمت للانقلابين على الشرعية، وصولاً إلى استعداء القيادة السعودية على حكومة السيسي كي تواجه منفردة تحديات وصعوبات المرحلة الحالية لينتهي المطاف بإفشال خططها في إعادة الحياة الاقتصادية وزعزعة الأمن ومن ثم سهولة التخطيط والعمل على إسقاطها بعد فك الدعم المعنوي والاقتصادي المقدم من السعودية، وهو الهدف الأول الذي يتطلعون ويتمنون تحقيقه عاجلا بناء على رؤيتهم القاصرة وتخبطهم.

لكنهم وفي محاولة بغيضة عمدوا إلى توسيع انتهازيتهم بتضليل الرأي العام عبر تشويه آخر يستهدف سياسة الملك عبدالله تجاه اليمن وآلية معالجة مشاكله، وذلك لإيهام المجتمع السعودي بأنهم هم الأحرص على استقرار الوطن وما هدفهم إلا تقديم مصلحة وأمن الوطن وحماية حدوده على كل مطلب، لكن الوطن ـ كل الوطن ـ علم وسيعلم أن هدفهم وغايتهم تكمن في الانتقام من سيرة الملك الراحل وتشويه موقفه التاريخي الداعم لمصر، الذي تحطمت معه جل أحلام جماعة الإخوان النكراء على أعتاب ثورة الثلاثين من يونيو.

ومن المؤكد اليوم القول بأن هذه الحملة البائسة من إخوان السعودية قد فشلت هي الأخرى كسابقتها في مصر، ولا بد أن تفشل في الداخل السعودي لأن "الفاشليّة الإخوانية" هي السمة الأبرز في تاريخ هذه الجماعة التي أصبح شعارها "الإرهاب هو الحل" وليس الإسلام.

لماذا هذا التشويه لعهد عبدالله بن العزيز رحمه الله؟! إجابات هذا التساؤل واضحة كوضوح موقف الشعب السعودي من رؤية ملكهم الراحل الذي كان أقرب لهم من أنفسهم، فهو الملك الذي كان يحمل في قلبه همّ كلّ قلب، وذلك هو ديدن ملوكنا وصولاً لعهد سادن تاريخنا الملك سلمان حفظه الله.

لماذا هذا التشويه لعهد وتاريخ عبدالله بن عبدالعزيز؟ لأن في عهده تم تصنيف وإدراج الجماعات والتيارات المتطرفة ضمن الجماعات الإرهابية، وكانت جماعة الإخوان في قائمة تلك الجماعات.

لأنه وقف في وجه الطغيان والخراب والاستبداد الذي استهدف به الإخوان مصر، لأجل تحقيق مكاسبهم ومطامعهم ونظرتهم القاصرة لما ينبغي أن يكون عليه دور مصر اللائق بتاريخها ومكانتها.

لأنه رحمه الله واجه بحزم وشجاعة مواقف دول عظمى كانت تسعى لاستثمار فاشليّة الإخوان حين قاد صلفهم لما كان يبدوا انقساماً وتنازعاً مصرياً خطيراً لاحت معه بوادر أزمة مصيرية أوشكت أن تدخل مصر في أتون حرب أهلية.

لأنه رحمه الله وقف إلى جوار تطلعات أكثر من 30 مليون من شباب مصر ونسائها وعلمائها ومثقفيها الذين خرجوا ضد زعيم الإخوان الذي انتخبوه على أمل أن يكون رئيساً صالحاً لقيادة دولة كمصر.

ولأنه رحمه الله دعم في الداخل السعودي خطط الإصلاح وتنمية الإنسان بإدخال المرأة السعودية مجلس الشورى، وبمنحها كذلك حق المشاركة في انتخابات الدورة الثالثة لعضوية المجالس البلدية كناخبة ومرشحة. إلى جانب إطلاقه رحمه الله لبرنامج الابتعاث الخارجي الذي مازال يواجه من قبل جماعات التطرف والأصولية الدينية المطلقة بحملات التشويه والاحتساب المضلل والاعتصام والطعن في أهدافه التنويرية والتنموية.

أمّا لماذا الآن؟! فلأن إخوان مصر بعد أن فقدوا ثقة المواطن المصري البسيط باتوا في حاجة ماسة إلى أي دور وعون يقدمه إخوان السعودية، إما بتكليفهم أو بالاتفاق معهم على ضرورة العمل على تغيير الموقف السعودي التاريخي الذي كبدهم الكثير في عهد الملك الراحل رحمه الله؛ لعلهم ينجحون في زعزعة الثقة بين قيادة البلدين بأي قدر كان؟! وليس هناك من هو أصلح لأداء هذه المهمة سوى إخوان السعودية ومن "لف لفهم" فعمدوا وفي سذاجة بالغة إلى ترويج فكرة أنّ تولي الملك سلمان حفظه الله لمقاليد الحكم يشي بحدوث تغيّر في موقف القيادة السعودية الجديدة تجاه مصر العروبة وتجاه رئيسها السيسي؟! بهذه الأفكار السطحية يطلقون أوهامهم ويروجون لها ثم يصدقونها في جهالة عمياء وفاشليّة غيبتهم عن إدراك حقيقة العلاقة الأبدية بين السعودية ومصر وأبعادها المصيرية لكلا البلدين. وأود لفت الانتباه إلى أن إخوان اليمن قد يؤدون دوراً لوجستياً لتمرير العون من إخوان السعودية إلى الجماعة في مصر، في استغلال للظرف الأمني وغياب السلطات في اليمن.

فهل جاءت حملة تشويه إخوان السعودية لعهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله متزامنة بقصد مع موجة العنف والاغتيالات المنفذة من جماعة إخوان مصر وأخواتها في الدين، دينِ العنف والإرهاب والقتل داخل سيناء؟! ليس لديّ حتى الآن مايؤكد هذا الاحتمال، إلا أنه ومن المؤكد أن إخوان السعودية وإخوان مصر يعملون على ابتكار وتنسيق الأفكار مع مراعاة سرعة تطبيقها ميدانياً سواء في مصر أو في السعودية؛ كي يتمكنوا من خلق ونشر موجات عنف وترهيب وقلاقل تمتاز هذه المرة عن سابقاتها بضرورة إنتاجها لأكبر قدر من التأثير، وردات فعل تكون أوسع في مداها لتتجاوز الحدود ومن ثم تنجح في إعادة تشغيل اسطوانة التعاطف الدولي معهم، لكن ذاكرة الشعب المصري والعربي لاتنسى تاريخهم في الترويع والقتل والاستبداد باسم الدين.