الإثنين 20 يوليو 2015 / 20:24

تاريخ الصدفة والغباء



هذا كتاب يكشف لنا كيف أن تاريخ الانتصارات والهزائم والأحداث الكبرى عموماً لا يرتبط طول الوقت بمهارة القائد وذكاء صاحب الاسراتيجية، لكن كانت نقط التحول فى كثير من الأوقات مرتبطة بتفاصيل قائمة على الصدفة أو على غباء أحد الأطراف (ألا يذكرك هذا الكلام بشىء؟).

الكتاب اهتم بالأحداث الأكثر تأثيراً فى العالم كله، تحديداً الأحداث التى كان للصدفة أو الغباء دوراً فى اكتمالها، فسرب الطائرات الذى خرج محملاً برؤوس نووية فى أغسطس 45 كان يهدف لضرب هذه الأهداف (كوكورا، نيجاتا، هيروشيما) و بينما هم على ارتفاع 2600 قدم تلقى قائد السرب من الراصد الجوى رسالة تقول إن الغيوم تغطى الأهداف وتكاد لا ترى، و بعد قليل كانت الغيوم تنحسر عن الهدف الثالث بنسبة ضئيلة (عن ثلاثة أعشاره) كان الاختيار صعباً عودة محملة بالفشل أو نجاح على المحك، فاختار السرب الخيار الأخير، وهكذا لعبت الغيوم دورها فى اختيار ضحية الهجوم.

كان صدام حسين سيجعل الغرب وحلفاءه وجيشاً من نصف مليون جندي يبدون كمجموعة من الحمقى بطريقة تغير موازين قوى العالم لو كان انسحب من الكويت قبل 17 يناير، قبل أن يتعرض لشر هزيمة فى أقل من ثلاث ساعات أنهت الحرب مبكراً، الأمر نفسه كان سيغير مصير الحرب الصليبية لو أن قائد الجيوش استمع جيداً لرأى قمص طرابلس الذى قال له "لا تجبر جيشك على عبور هذه الأراضى القاحلة سيهلكون بسهولة وسينقض علينا صلاح الدين فى الصحراء"، إلا أنه رفض الاستماع لرأى شخص أدرى بالمنطقة وبصلاح الدين الأيوبي، لمجرد أن القائد لم يكن يحب قمص طرابلس بوشاية من آخرين فى الجيش قالوا له إنه خائن.

أما سور برلين فقد كانت شرارة هدمه جملة عابرة خرجت لا إرادياً من الناطق الرسمى للجنة المركزية للحزب الحاكم فى ألمانيا الشرقية، كان السور مأساة مقيمة على مدى سنوات طويلة وشهد مصرع الكثيرين فى محاولة لعبورهـ وكانت القصة الأسوأ صيتاً للشاب بيتر فيختر (18 عاماً) الذى علق بين الأسوار الشائكة فوق السور وترك ساعات طويلة يحتضر بسبب نزف شديد بينما المصورون يلتقطون له الصور عبر الاسلاك الشائكة ويتابعون سكرات موته، فى ليلة أم وفى حفل موسيقى فى مدينة ليبيزيغ تجرأ الموسيقى الشهير كورت موزارت وقال أمام المئات دون سابق تخطيط "لا نستطيع الاستمرار هكذا" بعدها بيومين كان هناك خمسون ألفاَ فى الشارع، وبعد أسبوع أصبحوا أكثر من مئة و خمسين ألفاً، اشتعل الموقف وأصبح الشعب فى الشارع على وشك أن يهدم سور السجن الذى يحول بينه وبين أوروبا الحديثة وفى لقاء على الهواء على هامش الحدث مع الناطق الرسمى للحزب سأله أحد المراسلين "متى سيسمح للمواطنين بحرية السفر؟" فقال دون أن يفكر "يستطيعون أن يغادروا متى أرداوا و لن يمنعهم أحد"، حركت الجملة العالم كله لدرجة أن أهل ألمانيا الغربية زحفوا باتجاه السور واعتلوه فى انتظار فتح الأبواب أمام أهل ألمانيا الشرقية، كانت قوات الشرطة التى تحرس البوابات متربصة بحشد المانيا الشرقية ومدججة بالسلاح وكانت تعلم أن الجملة كانت للاستهلاك الاعلامى فهى لم تتسلم أوارقاً رسمية بالسماح بالسفر، ورابضت فى أماكنها إلى أن أخطأ أحد الجنود الذين كانوا يبعدون الحشود، حين شعر باختناق فقام بفتح البوابة ليبتعد عن الحشد من أجل بعض الهواء فاندفعت الحشود من هذة الفتحة الصغيرة، اعتقدت حراسة بقية البوابات أن الأوامر قد وصلت ففتحوا البوابات أمام الحشود فانهار الجدار.

الكتاب اسمه "تاريخ الصدفة والغباء" للكاتب اريك درتشميد، ترجمة محمد حبيب و صادر عن دار المدى فى أكثر من 400 صفحة.