السبت 25 يوليو 2015 / 20:08

الترجمة الإيرانية لاتفاق فيينا



يوفر تضارب تصريحات أجنحة الحكم الإيرانية غداة توقيع اتفاق "فيينا" مع الدول الست الكبرى بعض مشقة البحث في معالم سياسة إيران الإقليمية على المدى المنظور.

فلم يتأخر المرشد الأعلى على خامنئي عن تاكيد الاستمرار في اشعال بؤر التوتر الاقليمي بحجة "دعم الاصدقاء في المنطقة" فيما رفض قائد الحرس الثوري محمد علي جعفري مبدأ تقييد التسلح الايراني الذي تضمنته صيغة اقرار الاتفاق "النووي" في مجلس الامن الدولي وفي التصريحين ما يكفي لتبديد اية اوهام مفترضة قد تتركها تصريحات سابقة للرئيس حسن روحاني حول تحسين العلاقات مع دول الجوار.

حرص خامنئي على الفصل بين اتفاق فيينا وسياسة إيران الإقليمية لم يكن عفوياً بقدر ما هو ترجمة لبعض معطيات السياسة الداخلية الإيرانية لا سيما وأنه يعبر عن حاجة المرشد الأعلى للتغطية على تنازله عن بعض خطوطه الحمراء في سبيل التوصل للاتفاق، فيما تتجه المؤشرات نحو استغلال الحرس الثوري للموقف في الحصول على أكبر حصة ممكنة من عائدات الأرصدة المفرج عنها وتميل موازين القوى الداخلية لصالحهما مما يتيح لهذين الطرفين المتناغمين اقتطاع القدر الأكبر من كعكة المنجز الذي لعب روحاني الدور الأكبر في تحقيقه.

تقود هذه المقدمات إلى أن قدرة الاتفاق على لجم رغبات "الملالي" في الوصول إلى سلاح نووي لا تعني إنهاء هذه الرغبات أو إحداث تغييرات في ذهنية الحكم الإيراني أو الحد من نزعاته العرقية والطائفية.

كما بقي اتفاق فيينا والمفاوضات التي تمخض عنها دون إحداث أثر يذكر في تركيبة نظام الملالي، الذي حول بؤر التوتر في المنطقة إلى صناديق بريد يستخدمها في توجيه رسائله إلى المجتمع الدولي إبان أزمة الملف النووي .

قراءات مراكز القوى الإيرانية للحدث الذي ضبط إيقاع أنفاس المنطقة والعالم قابلة لأن تكون فاتحة لردود أفعال في الداخل الإيراني، فهي تعبر بوضوح عن شعور بعض الأجنحة بخسارات تضعف مواقفها في مواجهة البعض الآخر، وفي المقابل تترك انطباعاً لدى أطراف بإمكانية استغلال الموقف في الاستقواء على خصومها.

الطرق التقليدية لرد اعتبار الأجنحة واستعادة بعض نقاط القوة في الصراعات الداخلية معروفة لمتابعي السياسة الإيرانية ويتمثل أبرزها في تصدير أزمات النظام عبر تفجير بؤر توتر خارجية أو تفعيل المتوفر من هذه البؤر لكن مناخات ما بعد اتفاق "النووي" تغري مراكز صنع القرار الإيراني بالبحث عن طرق غير تقليدية تحدث متغيرات أكثر عمقاً في الخارطة الإقليمية على حساب دول الجوار وبالشكل الذي يزيد من حدة الاصطفاف الطائفي في المنطقة.

التفاعلات الداخلية الإيرانية لاتفاق فيينا ترجح تنويعات جديدة على فكرة تصدير الثورة التي راوغ نظام الملالي في سنوات سابقة للإيحاء بتخليه عنها وأثبتت سياساته على الأرض تمسكه بها، مما يتطلب من عواصم الإقليم البحث عن أدوات جديدة للمواجهة تساعد على تفعيل تحركاتها السياسية لإظهار أثر السياسة الإيرانية في إذكاء التطرف الطائفي.