الثلاثاء 28 يوليو 2015 / 16:05

الأفكار التي قتلتنا



تعرف المجتمعات من مدارسها ومعلميها، ولعل الشرق الأوسط تحديداً الأكثر حظا من هذه المدارس والتي نجدها مرة مجانية أو نظامية أو في المجالس الأهلية. ومن المعروف بأن الآراء والأفكار تأتي مشاركة لتبني قاعدة المعرفة في كل جسد صحيح وعقل سليم، واليوم أجد الفرصة التي أدعو الجميع لانتهازها والنيل منها في مجتمعنا الراقي والمثقف، فخروج الكثير من مثقفي المجتمع يعد مكسباً للجميع. اليوم هو يوم من أراد العلم، وعند ذكر العلم لابد أن نقرن النور معه، فالعلم نور، والتنوير هو شمعة العلم، أما العلم الذي لا طائل منه إلا الرجعية والتخلف لا يعتبر علماً، حتى وإن كان أتى من مثقفين أو مننحسبهم علماء أجلاء. والعاملون لأنفسهم ليسوا بعلماء، أما من يعملون لمستقبل الآخرين قبل مستقبلهم، فهم من يجب أن نستقي منهم مناهل العلم والتعلم.

عاش "الإخوان المسلمون" في بلدانهم المتأزمة حالة ترقب، ووضعوا شعوبهم فريسة وهدفاً ينتظرون الانقضاض عليه رافعين شعارات باهتة كتبها منظرون وزعماء لهم كحسن البنا وسيد قطب، وعاشت الجماعات الإرهابية تبعثر الأرواح يميناً وشمالاً، وتنشر بقية الأفكار الهدامة وتتعدي على حرمة الآخرين واستباحت الأعراض تحت بند تبعية أفكار زعماء ومنظرين قضوا نحبهم قبل عشرات ومئات السنين، ولا أعني بهذا أنني أرفض التمسك بأفكار من مضى إذا كانت تقدم لنا الخير والعلم والنور من علماء الدين والدنيا والذين عملوا من أجلنا ونحن ننقل ما عملوه لمن بعدنا كونه علماً نافعاً ينتفع منه، ولكنني أرفض الأفكار الهدامة التي تتوارثها تلك الجماعات، ويجب أن تتوقف عن توريثها لأجيال لا ذنب لها.

صاحب الرأي السليم له مواصفات كثيرة، كما أن له مزايا أكثر، ومن هذه المواصفات ما يجعلني أوسع مدارك عقلي الذي منحني إياه رب العباد لأفكر، فلم تصبح السياسة حكراً على رجالاتها في المناصب السياسية ولم تصبح الكتابة مقصورة على خريجي كليات التربية والآداب، ومن حق صاحب الرأي أن يطرح رأيه ومن حق الوالدين علينا أن نحترم آراءهم، ففي نهاية الأمر نحن المستفيدون الأوائل من هذه الآراء، ونحن المنتفعون من هذا العلم، وتجيش البسطاء لأستخدام الضدية ليس من الدين ولا التربية, وأحترام الاراء ومقارعتها هو صفوة عين العقل كما يقال, وكما ان العقل له حرية قبول الفكرة يجب ان يمنح الطرف الاخر هذا الحق في الطرح.

الدين هو دين الله، والعمل بدين الله أمانة ليست يسيرة، والعبث بهذه الأمانة مرفوض في الأرض وفي السماء، وكما فعل "الإخوان المسلمون" برمينا بمهاترات أفكار منظريهم وزعمائهم الأموات علينا وقذفنا بكل ماهو مخالف للدين والعقل، تفعل الجماعات الإرهابية الأمر نفسه. فمن سيرجع حقوقنا عندما يقع علينا الضرر من هذه الأفكار؟ "صاحب الفكرة" الميت أم التابع الحي؟ فقياس العقل يقول بأن الحي مات عندما اعتنق فكر الميت، والميت صاحب الفكرة ذهب إلى ربه، لا أحد يستطيع الوصول إليه لمعرفة ما يقصده أو لماذا وضع في أذهان أتباعه هذه الأفكار وذهب؟ فالحل الأمثل أن يتحرك الجميع لوقف هذه الأفكار الآن وإلا ستسخر منا الأمم عندما نتقاتل، ونحن أموات فكرياً وأحياء جسدياً، فموت العقل يعني موت الجسد حتى وإن كانت الأطراف تعمل، والشواهد كثيرة والحوادث التي راح ضحيتها الكثيرون في المجتمعات البسيطة كثيرة، وهناك قصة حقيقية لجريمة سميت بجريمة "عين البقرة" وهي قصة طفل فقأ عين بقرة فأقسم صاحبها أن يقتل الولد، وتدخل وجهاء القرية لإسقاط الخلاف بين صاحب البقرة ووالد الطفل، وأثناء المفاوضات قتل صاحب البقرة الطفل وأطلق النار على شيخ القرية وأربعة عشر رجلاً كانوا حاضرين! ومثل هذه القضايا كثيرةً جداً وسببها موت العقل وعدم وجود فرصة التنوير التي بزغ نجمها في مجتمعاتنا ومازلنا نتردد في خطف هذا النجم الثمين.