السبت 1 أغسطس 2015 / 21:51

إلى المصفقين في هاشتاق #سعودي_يوقف_المعازف_لرفع_الاذان




قبل سنوات كنت أشاهد برنامجًا وثائقيًا على إحدى المحطات الفضائية عن الداعية الراحل عبد الرحمن السميط، وكان المقدّم يستعرض لائحة بأعظم أعمال هذا الرجل العظيم، الذي أمضى أكثر من ثلاثة عقود من عمره في عمل الخير، ولا شيء غير الخير.

ومما زاد دهشتي، واحترامي في نفس الوقت لهذا الرجل، أنه لم يكن يشد الرّحال إلى الدول المنكوبة في أفريقيا وغيرها ليقايض أهلها على الجوع، الرغيف مقابل القرآن، أو الماء مقابل الإسلام، كما تفعل الحملات التبشيرية التي تنشط في هذه الدول.

كان قلب الرجل بوصلة ترشده إلى كفوف المحرومين والمعوزين والمساكين في أصفاع الأرض؛ أولئك المهمشين الذين سقطوا سهوًا، أو عمدًا، من ضمير العالم، أولئك المقيمين على الضفة الأخرى من اللغة كما أسماهم الأديب الفرنسي جان ماري لوكليزيو.

كان الرجل يبني المدارس ويؤسس الجامعات ويحفر الآبار بعيدًا عن فلاشات الكاميرات، لا كأولئك الوعاظ الذين ينتصرون للكاميرا، ويموت الإنسان بداخلهم !

وزاد الرّجل في إدهاشي حين علمت بأنّ أعماله الخيرية أثمرت عن إسلام ما يزيد عن 11 مليون شخص في أفريقيا على يديه!

لا بدّ أن الكون كان يسخر منا كثيراً بوجود هذا الرّجل، الذي لم تكن شهرته تعدل ربع شهرة الوعاظ والدعاة الجدد.

تذكرت هذا الرجل العظيم وأنا أقرأ يوميًا عمّا يقترفه أولئك الدعاة الجدد الذين يعتقدون بأن الإسلام نادٍ اجتماعي لا يمكن دخوله إلا ببطاقة عضوية، كذلك الداعية المعروف الذي تباهى أنه استطاع اقناع رجل صيني باعتناق الإسلام في ثلاث دقائق، وكأن الإسلام منتج تجاري يروج له الباعة في المحلات ومراكز التسوق!

والدعوة بالدعوة تذكر، انتشر على مواقع التواصل الإجتماعي مقطع لمؤذن خليجي استأذن أثناء تواجده في النمسا من فرقة موسيقية ليرفع الأذان على الجمهور المتواجد في الشارع، الفعل الذي اعتبره البعض فتحًا عظيمًا وإنجازًا بطوليًا يجب أن يستقبل فاعله بالورود ويعامل معاملة الفاتحين!

لا أشكّك في في نية هذا الرجل، ولكن يجب أن ندرك جميعا بأن النوايا الحسنة لا تبرر الأفعال القبيحة، وما قام بارتكابه هذا الرجل لا يقل قبحًا عن الرسومات الكاريكاتورية البشعة التي تنشرها الصحف الغربية!

إن الأذان ليس أغنية، أو سيمفونية، أو فاصلا إعلانيا بين أغنيتين في حفلة راقصة، بل هو نداء إلهي، وشعيرة مقدسة لا يجوز بأي حالٍ من الأحوال امتهانها بهذه الطريقة الاستعراضيّة. إذ أن لكل مقامٍ مقال، وإذا وافقنا أن يرفع الأذان اليوم على أسماع جمهورٍ راقص، فلا أستغرب أن نصفق غدًا لداعية آخر يمر على الخمارات ليذكر الناس بضرورة ذكر اسم الله قبل تجرع كؤوس الخمر، أو نشكر داعية آخر يطرق أبواب بيوت البغاء ليوقظهم لصلاة الفجر!

لست أبالغ إن قلت بأن أول من يسئ إلى الإسلام هم نحن، إن أول من يجب أن يضع لافته كبيرة مضاءة بمصابيح النيون أمام عينيه كُتب عليها "إلا الإسلام" هم نحن!

الغرب وكل أمم الأرض ليسوا مطالبين باحترام شعائر أمّة لا تحترم نفسها ولا تحترم شعائرها.

نعم سمح النمساويون لهذا الشخص بالآذان ليس لأنه آذان أو شعيرة إسلامية، بل لأن المكان هو مكان لاستعراض مهارات غنائية وصوتية، فهو لم يعتلِ المنبر في دار الندوة لمناظرة "الكفار" ، ولم يستأذن من مايسترو الفرقة الموسيقيّة لإقامة الحجة التكبيتية على المخالفين، فليس فيما فعله الأخ المؤذن بطولة فهو لم يحرر القدس ولم يفتح القسطنطينية ولم يعد العثمانيين لحصار فيينا، وأتمنى أن يكون شعوره هو نفس شعور جمهوره - الذي سمح له بأداء الآذان بكل أريحية - حينما تقرع أجراس كنيسة كاثوليكية مقابل بيته أو في آخر حيه، فهنا سيكون محك النشوة الإنسانية لمن ألقى السمع وهو شهيد!