الأحد 2 أغسطس 2015 / 19:18

تنظيم الدولة اليهودية!

قبل أيام قليلة، وفي معرض التعليق على هجوم المستوطنين في قرية دوما، قال أحد الساسة الفلسطينيين: يوجد في العراق تنظيم الدولة الإسلامية بقيادة أبو بكر البغدادي، وفي فلسطين تنظيم الدولة اليهودية بقيادة بنيامين نتانياهو.

وما يبدو، للوهلة الأولى، نوعاً من التصعيد البلاغي، لا يعاني في الواقع من غياب الشواهد والبراهين، فظاهرة ما يعرف، في لغة السياسة الإسرائيلية، بمعسكر اليمين القومي الديني، انتقلت من الهامش الاجتماعي والسياسي والأيديولوجي إلى المتن، وأصبحت ذات حضور ونفوذ في الإعلام، ومؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية، ناهيك عن حضورها على الأرض، في مستوطنات الضفة الغربية، التي تحوّلت إلى ما يشبه دولة داخل الدولة.

والمهم، في هذا الشأن، أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتانياهو، ينافس الآخرين للفوز بقلب وعقل معسكر اليمين القومي الديني، لا من خلال عرقلة كل احتمال لتسوية المسألة الفلسطينية وحسب، ولكن من خلال ما لا يحصى من أشكال الدعم والرشاوى المادية والمعنوية للمستوطنين، أيضاً.

وقد أدرك هؤلاء، مع مرور الوقت، قيمتهم الاستعمالية والتبادلية في لعبة السياسة الإسرائيلية، وقدرتهم على ممارسة الابتزاز، والمقايضة، وعقد الصفقات، ناهيك عن اكتشاف العلاقة الجدلية بين هدفهم الرئيس في تأبيد الاحتلال والاستيطان، من ناحية، وضرورة إحداث تغييرات جوهرية في البنية الثقافية والسياسية والأخلاقية للمجتمع الإسرائيلي نفسه، من ناحية ثانية: من مجتمع كولونيالي يبرر وجود الدولة بالهولوكوست وعداء للسامية لا يزول ولا يدول، إلى مجتمع كولونيالي يرى في الدولة أداة لتحقيق نبوءات توراتية قديمة.

لذلك، وفي معرض التعقيب على هجوم المستوطنين في قرية دوما، الذي أسفر عن قتل الرضيع الفلسطيني حرقاً، وتدمير بيت العائلة، كتب عاموس هارئيل، المعلق في صحيفة هآرتس الإسرائيلية "هؤلاء يريدون إشعال حرب دينية".

وهذا، في الواقع، ما سبق وعالجته، بعمق، جاكلين روز في "مسألة صهيون" في تحليلها للبعد الديني (الميسيائي) في الصهيونية، وحقيقة أن علمنة هذا البعد بمفاهيم ولغة أواخر القرن التاسع عشر، ومطلع القرن العشرين، لم تكن سوى قشرة رقيقة، لا تحجب، ولا تحول دون، عودة البعد الديني الأصلي. ويتجلى في هذا البعد، بالذات، مأزق الصهيونية، ومصدر خطرها.

قبل هجوم المستوطنين في قرية دوما الفلسطينية، بيوم واحد، طعن أحد مستوطني الضفة الغربية، ستة إسرائيليين يشاركون في تظاهرة للمثليين في القدس. والمذكور خرج من السجن قبل ثلاثة أسابيع من يوم الحادثة، بعد قضاء عشرة أعوام، عقاباً على طعنه ثلاثة أشخاص في تظاهرة مماثلة في العام 2005. والمهم، في الأمر، أنه رفض الاعتراف بشرعية المحكمة "لأنها لا تحكم بالشريعة اليهودية والتوراة".

والواقع أن البنية العقلية، والأيديولوجية، لمهاجم التظاهرة في القدس، ومهاجمي بيت العائلة الفلسطينية في قرية دوما (وهؤلاء مجرد نماذج إيضاح للنواة الصلبة في المعسكر القومي الديني، خاصة في دفيئات المستوطنين في الضفة الغربية) لا تختلف كثيراً عن البنية العقلية، والأيديولوجية، لدواعش العرب والمسلمين، وإذا كان ثمة من فرق فهو في الدرجة لا في النوع. وثمة، في الواقع أيضاً، أكثر من هذا: إذ يرى دواعش اليهود في ظهور الدواعش في مناطق مختلفة من العالمين العربي والإسلامي، دليلاً على قرب موعد "الحرب الدينية"، وعلامة من علامات نهاية الأيام.

وإذا سارت الأمور على ما هي عليه: انسداد آفاق الحل، واستمرار الاحتلال، والاستيطان، وتصاعد إرهاب وعنف المستوطنين، والتنافس على الفوز بقلب المعسكر القومي الديني وعقله، ربما لن يمضي وقت طويل قبل اكتشاف العالم لحقيقة أن الكلام عن تنظيم الدولة اليهودية، في هذا الجزء من العالم، لا يدخل في باب التصعيد البلاغي بقدر ما يمثل قراءة موضوعية لواقع أفلت من عقاله، وخرج عن السيطرة.