الأحد 2 أغسطس 2015 / 23:10

ثقافة الانقلاب

المعلومات التي توفرت تشير إلى أنه يعمل موظفاً في مكتب اسماعيل هنية، رئيس وزراء حماس، ونائب رئيس الحركة خالد مشعل، هنية بدوره كان يعمل في مكتب الشيخ أحمد ياسين مؤسس حماس، إذا كان هدف هذا الشاب هو "الشهرة" فقد حصل عليها، ويستطيع أن يثق أنه وصل إلى موقع يصعب تجاوزه، إذ لن يكون من السهل أن يشاركه أو يتجاوزه شخص حيث يقبع الآن.

المقصود بهذا الكلام "فنان" فلسطيني مغمور يعيش في غزة وينتمي لحركة حماس، بائس تماماً على صعيد الموهبة، ولكن يبدو أن القليل الذي لديه يصلح للتعبير عن الثقافة التي تلقاها في اجتماعات التنظيم، وإنصاته إلى ملهميه سواء في المكتب حيث يعمل أو الصحيفة التي تستقبل بترحاب واضح قدرته على التعبير عن أفكارها "فنياً"، أو من خلال "أدبيات" و"أنظمة الجماعة" ووصاياها.

نشر "بهاء ياسين" وهذا اسمه المعروف به، رسماً كاريكاتيرياً في موقع صحيفة "الرسالة" الناطقة باسم الإخوان المسلمين في غزة، ويمثل الرسم الذي ظهر مباشرة إثر جريمة حرق الطفل علي الدوابشة وعائلته في قرية "دوما" قرب نابلس من قبل المستوطنين، سيدة فلسطينية تتعرض لاعتداء جنسي من قبل جندي إسرائيلي، فيما يقوم الجندي بقتل أطفالها أمامها، ويقف بجانبها رجل أمن فلسطيني دون أن يحرك ساكناً وهو ينظر إلى الجهة الأخرى، في الجهة المقابلة طفل ملثم يمثل غزة يدعو المرأة، التي هي الضفة الغربية، إلى الثأر لكرامتها و"شرفها" بينما المرأة التي تبدو مستسلمة تبرر موافقتها بعدم حصولها على "تصريح".

في محاولة للبحث عن أسباب سقطة هذا الشاب، طلبت من أصدقاء وبحثت عن أعمال أخرى قد تشي بموهبة ما، ويمكن سوقها للحديث عن تسرع أو سوء فهم، ولكن البحث قادني إلى عكس ذلك تماماً، والأهم هو أن أعماله كاملة قائمة على السطو دون تبصر على شخصيات وخطوط ورموز فنانين فلسطينيين مرموقين هما الشهيد ناجي العلي والفنان الصديق بهاء بخاري، أطال الله في عمره. بحيث يبدو الأمر وأنك تتعامل مع سارق سمحت له الفوضى والتساهل وماكينة الانقسام وغياب المحاسبة، بشقيها الملكية الفكرية والأخلاقية، بالسطو على إبداع الآخرين وتحميله أفكاراَ ومشاعر من الكراهية والتحريض تتناقض مع رسالته ورؤيته.

وهو أمر أصبح رائجاً في سنوات الانقسام، إذ يمكن أن تحصل على نماذج كثيرة كهذا النموذج في الفن والموسيقى والشعر والغناء، لو امتلكت الصبر وطول البال للاستماع ومشاهدة فضائية "الأقصى" على سبيل المثال.

جيد أن نقابة الصحفيين أدانت "فنان حماس" وتنصلت من عضويته، جيد أنه ليس عضواً في النقابة، رغم أنه استطاع أن يسيء إلى الجسم الصحفي كله وإلى المهنة عبر منحه منبراً، يكاد يكون رسمياً مثل صحيفة "الرسالة" الناطقة باسم حماس، التي تنصلت بدورها من "فنانها" وحذفت "رسمته" من موقعها على "تويتر" تحت الثقل الهائل للرأي العام.

بعيداً عن رداءة الخطوط والنمطية المبتذلة للشخصيات التي تضمنتها الرسوم، وبعيداً عن عملية السطو نفسها واللغة المتخلفة والمجاز المريض لفكرة الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، فهي، الرسومات، تعكس محاولة دقيقة ومخلصة في التعبير عن فكر ملهمي "الفنان" وتعبيراتهم ومخيلتهم الضيقة، المخيلة التي حولت الأمر كله؛ الحكم والشريعة والسياسة والمنظومة الأخلاقية للمجتمع، إلى مخيلة جنسية وثقافة ذكورية في أحط مظاهرها.

ثقافة إعطاء الدروس وتصنيف الناس وتوزيع الخصوم في جدولين الخيانة والتكفير، بحيث يبدو البحث عن فضيلة حكمهم، الإخوان المسلمين، لقطاع غزة "وشرعية" استيلائهم على مقدرات الناس وحقوقهم نابعاً من "كفر" الضفة الغربية وافتقارها للفضيلة وروح المقاومة بينما يتحول الاختلال إلى ذريعة.

وبقليل من الجهد يمكن العودة إلى تصريحات منشورة لـ "قادة" و"ناطقين" و"مسؤولين" و"شيوخ" و"خطباء" و"مثقفين" مهدت لمثل هذا الرسم، أو تمثلته، بحيث أصبح اتهام مدينة كاملة مثل "رام الله" بسوء الأخلاق، على سبيل المثال، أمراً متداولاً على نحو يعزز وطنية المتحدث أو الكاتب.

هذا ما حاول أن يقوله "فنان حماس" بسذاجته ورغبته في إرضاء ملهميه، لكن يبدو أنه ذهب هذه المرة لاقتباس الشعب نفسه كاملاً متجاوزاً جغرافية رام الله، المتفق على هجائها واعتبارها نموذجاً لـ "القرية الظالمة".

في الثنائيات التي تتحول إلى وسيلة مقارنة في زمن الانقسام، وإلى ثقافة قابلة للترسخ كلما طال زمن الانقسام وتعمق، يتشكل الجدول برموزه المكشوفة وتبرز على السطح أمراض الثقافة ومرضاها، وهذا ما يحدث لدينا الآن.