الثلاثاء 4 أغسطس 2015 / 15:39

إسرائيل وداعش وحرق الرضيع الفلسطيني

حتى حرق الرضيع الفلسطيني علي دوابشة على يدي مستوطن إسرائيلي، بطريقة داعشية، في بيت أهله في بلدة دوما في نابلس الفلسطينية، لم يحسم السباق بين داعش وإسرائيل في مباراة اجتراح وحشيات جديدة.

إسرائيل تكتسب شرعية جديدة من مستوطنيها، وداعمي هذا الاستيطان، كلما ارتكب مستوطن/ جندي فعلة مماثلة، بينما تبقى داعش طارئة.
ستبقى داعش مقلدة في أحسن الأحوال. بالرغم من أن تخيل طريقة حرق الدوابشة تذكر بمشهدية حرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة أوائل عام 2015.

إسرائيل دولة يهودية، حتى لو لم يعترف أحد بيهوديتها. ليس في زمن نتانياهو وحسب، بل منذ عام 1967، وربما منذ بدء سعي أسرة روتشيلد لتأسيس دولة ليهود العالم في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر.

بدأ فهم الظاهرة في ثمانينيات القرن العشرين، عندما كانت أصوات ترتفع مطالبة بتقسيم لبنان على أساس ديني بين المسيحيين والمسلمين، كانت أصوات حكماء (لبنانيون خاصة) ترد أن إسرائيل هي أصل البلاء، فالعنصرية الإسرائيلية ضد المكونات الأخرى غير اليهودية في الدولة العبرية كانت حصان طروادة الذي أدخل فكرة تأسيس دول دينية في العالم العربي في نهايات القرن العشرين.

هذا الكلام دقيق، وغير دقيق، فالخلافات الإسلامية منذ القرن الثاني الهجري (السادس الميلادي)، أي ما بعد الخلافة الراشدية، وحتى بدايات القرن العشرين، كانت دولاً دينية على نحو ما. لكن ذلك كان في عصر بعيد كل البعد عن عصر القوميات في القرنين الثامن والتاسع عشر الميلاديين. ووقتها، اقتصرت خيارات شكل الدولة على الامبراطورية، أو الخلافة، وهما وجهان لعملة واحدة، على كل حال، وإن كانت مبررات التوسع مختلفة لدى كل منهما.

داعش يريد الآن خلافة إسلامية. صحيح أن الفكرة قديمة في ذاكرة التاريخ الإسلامي، لكن لابد من البحث عن "فكرة إقامة إسرائيل"، كدافع مباشر، أو غير مباشر، لصعود داعش المفاجئ، حتى قبل البحث عن الأسس المادية التي عوَّمت داعش، من التشكيل المخابراتي له على أنقاض جيش صدام حسين وأجهزة مخابراته، أو الارتباطات غير الأكيدة بأجهزة مخابرات في المنطقة العربية والعالم.

إسرائيل، كفكرة، وكدولة دينية الجوهر بلبوس علماني، هي الجديرة بالدراسة كدافع للطموح الداعشي وما يماثله.

لن نذهب هنا إلى درجة الإشارة إلى التقاطع غير الظرفي بين التشريع الإسلامي والشريعة اليهودية، لكي يبقى الشبه بين داعش وإسرائيل متمحوراً حول الدوافع المادية في الإطار السياسي - المخابراتي - المؤامرتي – العسكريتاري (الدولة - الثكنة).

نعم، في الأمر مؤامرة ما.

إسرائيل مبتدأ المؤامرة، ومن ثم أنظمة "تقدمية"، و"رجعية"، منساقة للرغبات الأمريكية الداعمة لإسرائيل، وصولاً إلى داعش.

هذا مجرد تقرير عما حدث، وتوصيف لما هو مستمر في الحدوث منذ بدايات صعود نجم أمريكا في ما بعد الحرب العالمية الثانية، وما بعد انفرادها شبه الكامل برعاية إسرائيل، وخاصة في الفترة التي تلت حرب 1967.

وجود إسرائيل يستلزم مثل تلك الأنظمة العسكريتارية التقدمية التي أفقرت شعوبها وأذلتها بحجة التصدي لإسرائيل، دون أن تتصدى سوى لشعوبها.

أدركت الشعوب مفاصل الخديعة مبكراً، لكن القبضة الأمنية كانت أقوى من كل محاولات الأحزاب والأفراد في كشف تلك الخديعة، وإسقاط تلك الأنظمة.

وبسرعة مدهشة، عمدت قوى ما إلى تعويم ظاهرة داعش، بعدما تبين أن ثورات الربيع العربي يمكن أن تشكل خطراً مباشراً على إسرائيل، ويمكن أن تخلخل الستاتيكو الذي وفر للدولة العبرية شبكة أمان في جغرافيا سياسية تدل وصفياً على أنها معادية، لكن الحقيقة تقول غير ذلك.
أدى داعش دوره بامتياز منذ ثلاثة أعوام، لكن دوره الوظيفي بدأ يتهاوى. بينما تستمر إسرائيل.

ربما ستؤدي جبهة النصرة دوراً ما بعد أفول داعش عسكرياً، أو سيتم تعويم ما يسمى تنظيم "خراسان" الذي لا يمتلك أحد عنه معلومات شافية سوى أمريكا. وهذا هو المطلوب وفق نظرية صناعة العدو في شكلها الثابت في كل زمان ومكان.

في كل الأحوال، مازال بشار الأسد محمياً بطريقة ما، وليس من إيران وروسيا فقط، ومازال نظامه عنصر جذب للتطرف، وما زال يُمطر دوما في غوطة دمشق بصواريخ تُحرق الأطفال.

وأي شيء أكثر من هذا سيُثلج صدر إسرائيل لتبرر لمستوطنيها حرق علي دوابشة مرة أخرى، في دوما الفلسطينية في نابلس.