الجمعة 14 أغسطس 2015 / 21:56

ثلاثة مقاطع شاردة

(1)

(إيه اللى خلانى أعمل كده؟)
خطأ تقني ما بداخلي يجعلني أفكر بعد أن أتصرف.

كان الميدان خالياً في تلك الليلة الشتوية إلا مني ومن بائع الصحف، طلبت من البائع ثلاث صحف يومية وأعطيته ورقة بمئة جنيه، مد البائع يده بالباقي وفي اللحظة نفسها وجدتنى أقول له (لأ خلاص..دول علشانك).

(إيه اللى خلانى أعمل كده؟)
لم يثر فيّ البائع مثلاً شعوراً بالشفقة ولست على هذة الدرجة من الثراء ولم أرتكب خلال الأيام الماضية ذنباً لأكفر عنه بصدقة كبيرة...
رأيت أسئلة مماثلة في نظرة البائع.. هل هو رجل طيب؟ هل هو رجل مسطول؟ هل هو ملاك فى صورة آدمي؟..
فشل كلانا في الإجابة عن الأسئلة.. لكن البائع وجد تفسيراً مقنعاً ومريحاً لكلينا عندما ابتسم بخجل قائلاً "كل سنة وحضرتك طيب"..

(2)
خرجت من المطعم الصينى مشغولاً بالتفكير في العصي التى يستخدمها الصينيون برشاقة فى طعامهم في الوقت الذي قادني فيه جهلي بطريقة استخدامها للخروج من المطعم جائعاً.

نمت ورأيت فيما يرى النائم جائعاً... رأيت مئات الصينيين في الجحيم، رأيتهم جالسين إلى مائدة طويلة وأمام كل واحد طبق فيه كل ما يشتهيه لكنه يمسك فى يده عصى أكل طول الواحدة مترين ونصف على الأقل.. قلت لنفسي هذا هو العذاب بعينه.

صحوت وتوجهت إلى الثلاجة ورفعت ما وجدته بها دون تمييز، عدت إلى فراشى وأنا أشعر بالشبع والهدوء النفسى، ورأيت فيما يرى النائم شبعاناً.. رأيت مئات الصينيين في الجنة يجلسون إلى مائدة وأمام كل واحد طبق به كل ما يشتهيه لكنه يمسك أيضاً بعصى أكل طول الواحدة مترين ونصف على الأقل مثل إخوانهم في النار..الفرق أن الصينين سكان الجنة كانوا يُطعِمون بعضهم البعض.

(3)

كانت تكذب وهي تقسم لى أن هذا هو ما حدث بالفعل.

لست شفافاً إلى هذة الدرجة لكنها مفضوحة، عندما تكذب تلمع عيناها وتنكسر ابتسامتها، ويظهر صف أسنانها المتلألئ شديد الأستقامة بفعل عملية التقويم التى أجرتها عند طبيب مشهور.

أمسكت يدي لتؤكد لي أنها صادقة لكن باطن يدها البارد المبلل بعرق خفيف فضحها مجدداً، أزاحت خصلات شعرها خلف أذنيها فظهر الفارق بين لون شعرها مصبوغاً ولونه الحقيقي عند الجذور.

تكذب.. عرفت ذلك من انفعالها عندما بادرتها بالصمت التام، انزوت في أحد الأركان بعد أن خلعت الجاكيت وبانت ذراعاها اللتان اكتسبتا لوناً برونزياً بفعل شمس مارينا، أشعلت سيجارتها فعرفت أنها كاذبة لأنها لم تشعل اثنتين كعادتها واحدة لها والأخرى لي، عندما تكون صادقة تزم شفتيها وتخرج دخان السيجارة بقوة، تخرج نفساً يستطيع أن يشكل دائرة في الفراغ تتابعها بثقة وابتسامة، هذه المرة كانت تبتلع الدخان فأصبحت متأكداً من مشاعري.

عند باب البيت ارتمت في حضني في محاولة أخيرة لإقناعي بصدقها، كانت تضع عطراً يليق بأمرأة تودع الثلاثينيات من عمرها بارتباك، نزلت دموعها بغزارة وانتفضت في حضني، كدت أصدقها لولا صوت رنة هاتفها المحمول القادم من أعماق حقيبتها "أنا مش بتاعت الكلام ده..أنا كنت طول عمرى جامدة".