السبت 29 أغسطس 2015 / 20:42

انزياح عراقي في المأزق الإيراني

يوسع عجز أحزاب التحالف الوطني العراقي عن التوافق حول سبل اخماد تظاهرات المدن و تجاوز مضاعفاتها هوامش احتمالات تفاقم مأزق نموذج الحكم الإيراني بنسخته العراقية.

مؤشرات المأزق الإيراني ظهرت بوضوح في برودة ترحيب بعض اطراف التحالف ومرجعية النجف بقائد قوة القدس قاسم سليماني بعد أشهر قليلة من تصويره رمزاً لمواجهة التطرف الداعشي.

تحول مزاج بعض قوى "التحالف" الشيعي المهيمن على حكم العراق تجاه تفاصيل الدور الإيراني لم يأت من فراغ بقدر ما هو نتاج لتباين رؤى أطراف المعادلة لكيفية التعامل مع تطورات نزعت عن قوى الإسلام السياسي الشيعي هيبتها الدينية ليتم التعامل معها كأحزاب سياسية تمارس سياسات لا تراعي مصالح الشرائح الاوسع من العراقيين.

ففي الوقت الذي ينقسم البيت الشيعي العراقي حول التنازلات التي يمكن تقديمها للشارع المنتفض على الطبقة السياسية يلقي الولي الفقيه الإيراني والحرس الثوري ثقلهما في المشهد السياسي العراقي لإبقاء أدوات الاستراتيجية الإيرانية في العراق فوق القانون رغم ثبوت تورطها في الفساد.
   
واللافت للنظر في الصيغة الجديدة للأزمة العراقية المتحولة أنها لا تقتصر على خلافات أحزاب الإسلام السياسي الشيعي التي تقاسمت تركة النظام السابق واستحوذت على القدر الأكبر من نظام المحاصصة، أو الصعوبات التي تواجهها إيران في ترميم نموذج عراقي ساهمت في تشكيله ويثبت فشله يوماً بعد يوم، فقد امتد الإنقسام إلى عمق أحزاب عراقية مرجعيتها الدينية في قم حين استدعت الحاجة محاسبة فاسدين مكشوفين أو البحث عن أكباش فداء لإسكات الشارع الشيعي الذي مزق بعض طيفه صور المرشد علي خامنئي في الساحات وارتفع سقف هتافاته لتصل إلى المطالبة بانسحاب إيران من العملية السياسية.
  
مسار التطورات العراقية المتلاحقة يكشف عن دلالات وعي بحقيقة غيبها الاصطفاف الذي استمد قوته من تحشيد المكونات خلف
أحزاب طائفية وتمخض عنه في نهاية المطاف طبقات سياسية واجتماعية جديدة وحرمان القطاعات المساهمة في نشوء هذه الطبقات وتضخم ثرواتها من الماء والكهرباء.
    
كما يدلل خروج العراقيين إلى الشوارع ـ رغم أولوية مواجهة التطرف ـ على قناعة المحتجين بمسؤولية فساد نظام المحاصصة الطائفية والحضور الإيراني في السياسة العراقية عن تحويل "داعش" إلى ظاهرة سرطانية.

حضور الدور الإيراني باعتباره عامل تأزيم يعني فقدانه صورة ضامن الاستقرار التي عملت ماكنة الحلفاء العراقيين على ترويجها بين العراقيين الشيعة طوال السنوات الماضية.

يعني ذلك من بين ما يعنيه استعارة الواقع العراقي الجديد بعض مفردات الازمة السورية ولا سيما المتعلق منها باستحالة التعامل مع عوامل التأزيم باعتبارها أدوات للحل.

لكن ذلك لا ينفي اختلافات الدور الإيراني في كل من سوريا والعراق حيث تعاملت طهران مع النظام السوري وهو في اسوأ مراحله باعتباره حالة قائمة في الوقت الذي تجاوزت الأمور في الحالة العراقية الدعم إلى محاولة نقل التجربة الإيرانية الى العراق من خلال المشاركة في بناء النظام وفرض رؤساء حكومات واقصاء قوائم فائزة في الانتخابات.
  
مساس الأزمة العراقية بعصب نموذج الحكم الإيراني يجبر ملالي إيران على البحث عن مخارج غير تقليدية لتجاوز الموقف قد يكون من بينها القفز إلى الشارع لتعويم الاحتجاجات بعد إخفاق القوى المحلية الحليفة في شيطنة التظاهرات لكن هذا الخيار يتطلب إعادة إنتاج الطبقة السياسية العراقية والاستغناء عن بعض التحالفات.