السبت 29 أغسطس 2015 / 22:03

جرائم داعش وآداب اليونسكو وأخواتها


1-
- بعد أكثر من فعلة إجرامية في حق التراث قامت بها داعش، لم تخرج ردود الفعل عن المعتاد من القول المأثور من قاموس التنديد، والاستنكار، والشجب، والتذكير بأنّ ما قام به داعش، ومن قبله تنظيم القاعدة هو "جريمة حرب" و"ضد الإنسانية" وفوق ما يُحْتَمَل من ممارسات هابطة سافلة.
- بل ولم يتجرأ على ارتكابها حتى أشرس الحيوانات وأكثرها سفالةً وضراوة،
- فالثعلب لا يُهلك دجاجةً إلا إذا أهلكه الجوعُ، وأما داعش، فيبدو شبيهاً بقوم الشاعر الصعلوك الشنفري الذي استبدل قومه في (لاميّة العرب) بالحيوانات الضارية التي تحفظ السرّ :
ولي ، دونكم ، أهلونَ : سِيْدٌ عَمَلَّسٌ وأرقطُ زُهلول وَعَرفاءُ جيألُ
هم الأهلُ . لا مستودعُ السرِّ ذائع لديهم ، ولا الجاني بما جَرَّ ، يُخْذَلُ
2-
- وداعش؟
- أمّا داعش فهوي يدمّر الآثار التي تركتها الإنسانية على أرض العرب قبل الاسلام، ويفخر بإهانة الحضارة، ويشعر بالعزّ والنصر اذا أذلّ معالم الفنّ والآثار التاريخية، فلا يكتفي بإنجاز الجريمة، بل يسعى إلى تخليدها وتوثيقها في سجلّها الجهاديّ بالصوت والصورة.
- كما يصوّر الناس مآثرهم في الأحزان والأفراح.
- ولتقول للعالم: إن داعش ليس كالشعراء الذين وصفتهم الآية،
- أي؟
- أي تقول ما تفعل، وتفعل ما تقول.
- مثل إسرائيل .
3-
- ولكنّ التراث الذي يتعرض للتدمير الآن، كان موجوداً قبل فجر الإسلام بعشرات القرون، وعاصرتْه أنظمة سادتْ ثمّ بادتْ، وَعاشرتْهُ أجيال وأقوام من العرب والعجم والفرس والأكراد والبربر، ثم من المسلمين، وتحت أنماط مختلفة من الحكام، والفقهاء وأهل الفتوى، والشعراء، وأهل الرأي والمعارف.
- ولكن، من كل أهالي القرون الخوالي، باختلاف أديانهم، ونحلهم ومللهم وعاداتهم، وعباداتهم، لم يلتفتْ أحدٌ إلى الأهرامات في بلاد النيل مصر والسودان،
- ولا أحد حرّض على حمل المعاول والفؤوس لتهديم أعمدة المسارح الرومانية في سوريا والأردن وليبيا وتونس، وغيرها من الأطلال التي ردمت الريحُ بعضها، وكشف عن نقابها المناضلون من علماء الآثار المنقّبين.
- هل معنى هذا أن داعش هو أذكى من جميع البشر الذين ولدوا قبله، من عرب ومسلمين، بحيث أن الجميع كانوا أرقَّ إيماناً بالله، وأقرب الى الشرك، وأقلّ عبادةً من هؤلاء الطارئين: تنظيم الإخوان المسلمين، وداعش، والقاعدة وغيرها ممن شاكلهم؟
4-
- يتجول داعش في المواقع السياحية، يقتل السياح الكفار بالكلاشنيكوف الشيوعيّ الملحد، وأحياناً يكتفي بأدواته التقليدية البدائية، ويستقلّ عن أدوات الغرب " الكافر"، فيلجأ إلى الساطور والسيف لقطع الرؤوس الحية التي فوق الأكتاف.
- كما أنه لا يتوانى عن قطع الرؤوس الميتة، المنحوتة في التماثيل، ويعتبرها رؤوساً عصية على الموت، مثل تمثال أبي تمام وأبي العلاء المعري،
- وهو يحاول جاهداً أن يغطي تمثال أم كلثوم حتى تستر وجهها المكشوف
- في التمثال !
- فلا يكتفي بالتأكيد على أن صوت كوكب الشرق عورة ، فيشير إلى وجهها الجامد هو أيضاً عورة وكفر.
- وما الحلّ ؟
- داعش يعرف ما يريد، والسؤال يوجه إلى المنظمات الثقافية والمؤسسات المحلية والإقليمية والدولية، وكيفية المقاومة خارج منطقة الكلمات والبيانات !
5-
- لقد تفطن داعش وبرنامجه إلى أن الحرب النفسية تفعل فعلها، وهي ذات قدرة على تحريك الهمم،
- ورأى أن إثارة غيظ الغرب يتم عبر تدمير المتاحف الحافلة بالأنصاب.
- وما على المنظمات المعنية بالثقافة من وزارات واتحادات كتاب وعلماء آثار وجمعيات المحافظة على المتاحف إلا الاحتجاج والتشنيع بما طاب لها من عبارات قاسية وغاضبة جاهزة مثل القوالب في قاموس التنديد لفضح داعش.
- ولكن، لا بد للإجراءات في مثل هذه المنظمات أن يبرروا مرتباتهم الشهرية بأضعف الإيمان: حركات اللسان والبيان،
- وكما أن تدمير الآثار هو مصدر استفزاز للغرب من زاوية الثقافة والحضارة، فإن داعش تأكد بأن هذه الآثار هي مصدر زرق لجزء من الشعب الذي يعوّل على الاثار والسياحة .
- وفعل التدمير له صدى في نفوس الناس، فهو يجعل السؤال الشعبي ملحًّا و مطروحًا على السلطة القائمة "الكافرة " في نظر داعش، لأن هذه السلطة تركت جزءاً من الشعب يعتاش من الأصنام، وما تعنيه من الرزق الحرام.
- ولكن هل داعش يملك وعياً بالآثار؟
- بالتأكيد، ويعرف ما يريد، بل إنه يبيع بعضاً من هذه الآثار النفيسة إلى أناسٍ وجهات تقدر قيمة القطع التاريخية، وتألّفتْ شبكات بيع، ومزايدات، وسوق سوداء تعرفها حتى المنظمات المنددة بأفعال داعش في موضوع الآثار،
- مثل "اليونسكو" وإخواتها من المنظمات السلمية الثقافية العربية وغيرها.
6-
- ماذا فعلت وزارات الثقافة في العالم العربي والأوروبي والعالمي لإيقاف نزيف هذه العمليات غير عبارات الاستنكار،
- لا يجب أن ننسى التنويه بوزارة الثقافة الإيطالية التي أعلنت الحداد على إعدام داعش لعالم الآثار السوري خالد الأسعد...
- والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ( الألكسو ) والمنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم ( الايسسكو ) المنظمة العالمية للتربية والثقافة والعلوم ( اليونسكو ) واتحاد الكتاب العرب، بطم طميمه، وعلماء الآثار العرب والأجانب؟
- نعم، تصاريح كثيرة ومواقف مبدئية مشرفة،
- والمنظمات الثقافية هذه، تمارس السياسة ذاتها: الإدانة والغضب، وهي في هذا النهج تقلد بعضها، و تجاهر بالتنديد بعيداً عن واقع المعركة ،
- مع زيادة طفيفة ،
- هي
- هي أن (اليونيسكو) تنادي من باريس، وتناشد الإنتربول للقبض على بائعي الآثار، ولصوص المتاحف الذين يسرقون ويبيعون هذه القطع الأثرية العمومية للخواصّ وتجار الآثار، ويجعلونها موضع مضاربة في سوق يعتمد شبكة واسعة ومرنة من المهربين عبر الحدود التركية والإيرانية خاصة،
7-
- إنّ فعلات داعش في الثقافة والآثار، قابلها، لغاية اليوم، لُعابٌ لغويّ سائل من قاموس العنتريات التي ما قتلت ذبابة ( نزار) .
- وليس العرب وحدهم مهددين في الآثار التي على أرضهم أو في متاحفهم، فمتاحف الغرب أيضاً يمكن أن تصيبها جرثومة داعش.
- ومن الممكن جداً أن تسرق داعش الموناليزا من متحف الوفر في باريس،
- الموناليزا عليها حراسة، وسرقوها مرات وأعيدت مرات،
- ولكن لم تُسْرَق في زمن داعش، وعلى يد داعش
- لو سرقوها لأحرقوها ..
- لا ، لا أتصوّر أنهم يحرقونها، فإذا سرقوها أدخلوها الى دولة الخلافة، بعد وضع النقاب على عينيها وعلى شفتيها حيث تستقرّ بسمتها المحيّرة كل عشاق الفنّ في العالم.
8-
- إذا كانت لعبة داعش مكشوفة بالأفعال،
- فإن لعبة المنظمات الثقافية معقولة بالأقوال.
- مثل الاستنكار الذي لا يأخذ بالثأر، أو يغسل العار .
- ألا تستوجب الجريمةُ العقابَ، ولا تتطلب فرط استخدام الآداب؟
- أو مصروفاً لغوياً دون رصيد في بنك الواقع !