الأحد 30 أغسطس 2015 / 18:40

الشجرة لا تقتل الشجرة

صيف 2007 حل محمود درويش ضيفاً على "أمسيات ستروغا الشعرية" في مقدونيا، المهرجان الأعرق والأقدم في العالم، كان ذلك آخر مهرجان شعري يشارك فيه قبل أمسيته الفرنسية التي أحياها وهو في طريقه إلى "هيوستن"، يحبون هنا أن يتذكروا ذلك، إنه كان هنا في ذلك الصيف الأخير بعد أن توّجه المهرجان بجائزته الثمينة "الإكليل الذهبي" التي تمنح سنوياً لشاعر مؤثر من العالم.

من تقاليد الجائزة أن يزرع حامل الإكليل شجرة في "حديقة الشعراء" حيث توضع على الأرض لوحة برونزية تحمل اسم الشاعر وتاريخ حصوله على الجائزة، هناك، في الحديقة، ترتفع الآن 50 شجرة تحمل أسماء الشعراء من "بابلو نيرودا" في تشيلي حتى "بي داو" في الصين مروراً بالأمريكي "غينسبرغ " والسوري "أدونيس" والروسي "يفتشنكو" إلى السويدي" ترانسترومر".

في المؤتمر الصحفي الذي أعقب الاحتفال في الحديقة سأل أحد الصحفيين محمود درويش، يقول الشاعر والمترجم المقدوني "نيكولا مادزيروف":

كيف تشعر وأنت تزرع شجرة غير بعيد عن شجرة تحمل اسم الشاعر الإسرائيلي "ايهودا عميخاي"؟

أجاب محمود:

لست قلقاً من ذلك، الشجرة لا تقتل شجرة...

أكثر من مرة استمعت لهذه الرواية بصيغ مختلفة ومن أشخاص مختلفين، "مازديروف" كان شاهداً على الحكاية التي اتخذت شكل الحادثة فيما بعد، ولكنها احتفظت جميعها، الروايات، بنفس النهاية الحاسمة:

الشجرة لا تقتل شجرة

أحد أهدافي هنا، إضافة للمشاركة في البرنامج، هو زيارة الحديقة وشجرة محمود على وجه الخصوص، تلك هي رغبتي ونصيحة فاروق مردم بيك المحمولة إلى عبر العالم الافتراضي، كذلك البحث عن أرشيف محمود درويش الفلمي والمطبوع، والحصول على نسخة منه لتضاف إلى مقتنيات المتحف في رام الله، وهو ما اتفقت حوله مع مدير المهرجان في ستروغا، ولكن حكاية الشجرة تبدو وكأنها أصبحت جزءاً من مقتنيات المكان وتراثه، حكاية تنتظرك خلف مدخل الفندق لتتأبط ذراعك وتنتحي بك جانباً وتبدأ بسرد الذي جرى في ذلك المؤتمر الصحفي بدهشة، ثم لتنتهي بالجملة التي رغم بساطتها تواصل حمل ألغازها:

الشجرة لا تقتل شجرة.

الفندق الضخم المبني على شكل نصف دائرة هائلة على شاطئ البحيرة، يذكر بتلك الفنادق "الاشتراكية" التي يمكن أن تعثر عليها في موسكو أو صوفيا في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، أماكن هائلة للإيواء واستيعاب أكبر عدد ممكن من الوفود، "وفود" الأحزاب والقوى والرفاق والأصدقاء ومنظمات "السلام" والعالم الثالث في ذلك الحين، مع خدمات جماعية يصعب تصنيفها أو التذمر منها، والتي استبدلت الآن بشكل كلي بمجموعات سياحية لا تشبه تلك "الوفود"، مثل مجموعة السواح الألمان المتقاعدين، لا شك أنهم قد أنهوا سنوات خدمتهم، الذين يتجولون ببطء وهدوء على شاطئ البحيرة، ويتأملون عائلة البجع البيضاء التي تسبح قريبا من دغل قصب تطاول فوق سطح البحيرة.

هذا العام في الدورة 54 يستضيف المهرجان الشاعر العربي السوري "أدونيس" الذي افتتح القراءات الشعرية بكلمة قرأها بالفرنسية، أما الإكليل الذهبي فقد منح للشاعر الصيني "بي داو" أحد مرشحي نوبل السويدية، رافقه الشعراء الى الحديقة حيث اضاف شجرة جديدة يانعة وقرأ قصيدة على مسمعها، في حفل التكريم سيهدي الجائزة للسويدي الراحل "ترانسترومر" الذي التقاه في ستروغا صيف 2003، وفي كلمته في الحفل سيقتبس" بول سيلان " وسيختار قصيدته حول "رام الله" للقراءة، القصيدة التي كتبها اثر زيارته للمدينة ولدرويش ضمن وفد عرف بوفد نوبل عام 2002، والذي ضم في حينه "ساراماغو" و" سوينكا " وبرايتن باخ."

"بي داو" الذي حمل معه إلى منصة التكريم ثلاثة شعراء قرأ قصيدة لابنته التي ترافقه في رحلته، الشاعر بنحافته وتمهله يبدو، ملائماً تماما للاحتفاظ بذلك الإكليل، كما لو أن تلك الجائزة كانت بانتظاره هنا منذ اللحظة التي كتب فيها قصيدته الأولى.