الأحد 30 أغسطس 2015 / 23:46

المعركة بين الحريات والأخلاق والوصاية والأبوية

الحريات هي مفتاح تطور الشعوب .. والحريات هي مفتاح تذوق الفنون .. وهي المشروع الأساسي القائم على تقبل الآخر .. والتصدي لها يعد خرقاً لمفهوم الحياة التي وجدنا فيها مصادفة .. عندما قرر إبليس أن يخوض معركة الرفض ضد قناعة هو يؤمن بها .. كيف أسجد لمخلوق من الطين وأنا النار .. أنا أصل الكون .. أنا محوره ..كيف أسجد لما هو أقل مني أهمية؟ لم يخسف به الأرض الله .. ولكنه قال له اذهب وسنلتقي يوماً ما وافعل ما شئت .. تعامل الخالق مع مخلوقه بحرية وفهم ولم يطعنه طعنة الخيانة .. هكذا الخالق عندما يتعامل مع مخلوق يرفض .. لا أعلم ما هو مستقبله ولكن أعرف حاضره وماضيه .. صيرورة الزمن هي سيرة الأرض الرحبة بكل نواحيها.

المرض العصاب الذي دمر مجتماعتنا العربية .. هو مرض الوصاية .. مرة باسم الأخلاق ومرة باسم القيم ومرة باسم العادات ومرة باسم الدين .. في كل مرة من هذه المرات يجد الواصي مبرره للوصاية ويتحدث عنها بجدية اختيار وقت الحرب.

هذا ما جعل من رئيس الوزراء ابراهيم محلب يتخذ قراراً مع نفسه بمنع فيلم حلاوة روح لهيفاء وهبي .. لماذا ؟ من أجل الحفاظ على الأخلاق .. هل هذه مهمة رئيس الوزراء ؟ هل من حقه أن يقدم قراراً وزارياً بمنع فيلم أو مصادرة كتاب ؟ إذا كان من حقه فلماذا توجد مؤسسة مثل الرقابة التابعة لوزارة الثقافة ؟

رئيس الوزراء اتخذ قراراً ليس بحكم إنه مسؤول فقط ولكنه اعتبر نفسه واصي على المجتمع كمسؤول .. فهو الأب الذي يعاقب الأولاد على فعل الخطأ .. هو الأب الذي يسير وراء بناته يراقبهن من أجل الحفاظ على شرفه .. هو المدرس الواصي على أظافر الطلاب وملابسهم الداخلية .. كان قراراه بحكم أنه الواصي على أخلاق الشعب .. ماذا حدث عندما منعه ؟ هل تغيرت أخلاق الشعب من بلطجة وفهلوة وتحرش إلى أخلاق مجتمع متحضر يحترم حرية الآخر .. هل غابت العنصرية ؟ هل تحرك المجتمع من حالة العشوائية إلى حالة التحضر ؟ هل المنع جعل الفيلم لا يشاهد ؟ بالعكس جعله يشاهد ملايين المرات .. كلما تم منع أو مصادرة عمل كلما زاد الاهتمام به .. هل نتعلم من هذا أي شيء ؟ لا شيء .. لا شيء.

أصبحت اختيارات الوزراء قائمة على منطق الأبوية والوصاية .. وزير الثقافة الحالي في أول تصريح له تجاه الوزارة عندما سئل عن أفلام السبكي .. قال: سنقدم له روايات يقدمها وينتجها وإذا لم يستجب لها فإننا سنحاول أن نتكلم معه ونعرفه الصح والغلط .. هل هذه وظيفته ؟ هل من حقه أن يمنع منتجاً سينمائياً لأنه يتنافى مع أخلاقه هو ؟ هل وزير الثقافة الذي يقدم كوزير للحريات وتقبل الآخر يقف على نفس نتائج رئيس الوزراء ؟ وزير الثقافة كل ما فكر فيه هو أن يمنع انتداب أشخاص أكفاء داخل الوزارة وكان لهم نشاطاً ملحوظاً مثل الدكتور أحمد مجاهد والدكتور محمد عفيفي والدكتور أنور مغيث وغيرهم .. الموقف هنا ليس مشكلة ادارية ولكنها مشكلة في التقييم .. إذا كان لديك مجموعة مختلفة مع طريقة تفكيرك كمسئول أعتقد إنه من المفيد أن استعين بهم كي نقدم ثقافة ومعني حي لقيم الاختلاف وتقبل الآخر كما سنطور المشاريع بهذا الاختلاف بتوسيع الأفق .. ولكن الوزير فكر بأنه الواصي الأول والأخير عن الثقافة .. وهذا ما جعله يضرب بقرار لجنة المسرح القومي عرض الحائط ويختار هو العروض المناسبة للأخلاق كما يراها هو.

وبنفس الطريقة يصرخ الفنان هاني شاكر نقيب الموسيقيين بأنه سيمنع الملابس العارية والخادشة للحياء في الكليبات حتى تتماشى مع قيم المجتمع .. هل هذا تصريح يخرج من فنان كبير؟ الفنان الكبير الذي يجب أن يقدم نموذجاً حياً للحريات هو أول من يدمرها بحكم أنه أصبح مسؤولاً .. كيف لنقيب الموسيقين الفنان الكبير أن يترك مشاكل الفنانين ويقدم تصريحات نارية ترضي هوس المجتمع بالأخلاق ؟ وبالطبع جاء هذا من منطلق الأبوية والوصاية.

ما يحدث في مصر لن يقدم المجتمع خطوة واحدة نحو حياة جديدة .. إذا أردتم الحياة فعليكم أن تنحازوا للحريات فهي مفتاح التطور وسينعكس الايمان بالحريات علي الاقتصاد والدين والأخلاق .. جربوا قد تنجح التجربة. (جملة أبوية أقدمها بمنطق الوصاية.. قد أصابني المرض).